يُطل سوق العقارات في مدينة حمص بوجهين متناقضين: فمن جهة، يصفه بعض السكان بـ”الركود الكبير”، حيث شبه توقف العرض، وغياب الوحدات الجديدة، وتكرار الإعلانات القديمة دون حركة شرائية تذكر.
ومن جهة أخرى، يرى آخرون أن السوق لا يزال نشطًا، وإن كان مثقلًا بأسعار خيالية وضغوط استئجارية لم تشهد المدينة لها مثيلًا من قبل.
في المقابل، يُطرح تساؤل مركزي: هل شهدت الإيجارات، السكنية والتجارية على حد سواء، أي تراجع، أم أن الارتفاع لا يزال يُحكم قبضته على المدينة وريفها؟
وجهان لسوق واحد: ركود أم ارتفاع غير مسبوق؟
يقول حازم رحال، خبير عقاري في حديث لمنصة سوريا 24، إن مفهوم “الركود” لا يتطابق مع الواقع الميداني: “لا يوجد ركود حقيقي. هناك عرض كبير، ومقابله طلب كبير، خصوصًا على الشقق والبيوت ذات التكلفة المتدنية”.
وأشار إلى أن: “الأسعار تبدأ من 100 دولار للمتر المربع للشقق غير المجهزة، وتصل إلى 200 دولار فأكثر للشقق الجاهزة للسكن، وذلك حسب الموقع وحالة البناء وعمره”.
وأوضح أن الأسعار في ارتفاع مستمر، نتيجة: “الطلب الكبير وقلة العرض الحقيقي”، مشيرًا إلى صعوبة شديدة في إيجاد مسكن مؤجر سواء داخل المدينة أو في ضواحيها: “أصبح من النادر العثور على شقة للاستئجار، إضافة إلى أن عودة النازحين، ونمو الأسر الجديدة بعد سنوات الحرب، وانحسار حركة البناء سابقًا، كلها عوامل رفعت الطلب على المساكن بشكل غير مسبوق”.
ويقدّر رحال أن حمص بحاجة إلى نحو 500 ألف وحدة سكنية — بين المدينة وريفها — لسد الفجوة الحالية، ولتخفيف الضغط على الأسعار والإيجارات.
وتباينت أسعار الإيجارات بشكل حاد، بحسب الموقع والمستوى المعيشي:
• في الضواحي والريف: تبدأ الإيجارات السكنية من 100 دولار شهريًا للشقق العادية.
• في الأحياء الراقية تنطلق من 300 دولار وتتجاوز 1000 دولار للمزارع أو المنازل الفخمة.
• في أحياء مثل باب عمرو، الخالدية، البياضة، وصلت الإيجارات فيها إلى 300 دولار.
• أما المحلات التجارية، فتشهد أزمة متفاقمة، خصوصًا في وسط المدينة، حيث ارتفع متوسط إيجار المحل المتوسط إلى ما بين 500 و1500 دولار شهريًا.
منافسة غير متكافئة
ويُبرز إحسان أتاسي، أحد سكان المدينة في حديث لمنصة سوريا 24، أن سبب هذه الفجوة في إيجارات المنشآت التجارية يعود إلى المنافسة غير المتكافئة بين المستأجرين: “كثيرون عادوا من الخارج، ويعيشون بعملة صعبة — خصوصًا من دول الخليج أو أوروبا — ويقدمون عروض إيجار تفوق قدرة السكان المحليين، وهذا أوجد طبقة جديدة من (المستأجرين المفضلين)، بينما يُجبر الآخرون على مغادرة مكاتبهم أو محالهم”.
الوضع أصبح مرعبًا
من جهته، يصف حيان القصاب، أحد سكان حمص، الوضع بأنه “مرعب”، خصوصًا في القطاع التجاري: “إيجار المحل التجاري أصبح رقمًا من أربع خانات وربما أكثر، والحل الوحيد هو التوسع بمشاريع عمرانية جديدة، وفتح أسواق خارج النسيج القديم، وتشييد مراكز تجارية حديثة”.
ويُحذر القصاب من تصاعد ظواهر “العشوائيات”، إذا استمر الوضع عامًا إضافيًا دون تدخل: “إذا بقي الحال على ما هو عليه سنة أخرى، سنرى خيامًا في الشوارع، وبسطات تغزو الأرصفة بثلاثة أضعاف حجمها الحالي”.
ويشير إلى مشكلة البيوت الفارغة والمحلات المغلقة، داعيًا إلى فرض ضريبة شهرية إلزامية على كل وحدة سكنية أو تجارية خاوية، خاصة في الأحياء السكنية المكتظة، بهدف تحفيز الملاك على تأجير أو بيع عقاراتهم.
ويُعبّر عن قناعة متزايدة لدى شرائح واسعة من السكان بأن أسعار مدينة حمص لم تعد منطقية، وأن الشراء في مدن مثل طرطوس، اللاذقية، أو حتى حماة، بات خيارًا أنسب أقل تكلفة، وأكثر خدمات، وأكثر جدوى استثماريًا.
ويضيف: “في الحقيقة، أبرز المتضررين اليوم هم أصحاب العقارات أنفسهم، الذين يُمسكون بمساكن لا تُباع ولا تُؤجر، ويدفعون تكاليف صيانة وأمن وضرائب، من دون عائد حقيقي”.
ووسط كل ذلك، تقف حمص اليوم على مفترق طرق: إما أن تتحول إلى نموذج لإحياء المدن السورية عبر مشاريع عمرانية عادلة ومدروسة، أو تتحول إلى مدينة منقسمة بين طبقات لا تملك مسكنًا، وعقارات خاوية لا تُنتج، وأسواق مغلقة لا تبيع.








