أصبحت قضية إعادة تأهيل الحديقة البيضاء في وسط مدينة الرقة محور جدل واسع بين الأهالي، في ظل انتقادات متزايدة لطريقة الترميم التي تنفذها بلدية الشعب التابعة لمجلس الرقة المدني، وما رافقها من تأخير طويل وتغييرات طالت هوية المكان وشكله التاريخي.
وتعد الحديقة البيضاء من أكبر وأقدم الحدائق العامة في الرقة، واشتهرت باسمها ومظهرها المميز بفضل الحجارة البيضاء التي كانت تكسو جدرانها وأسوارها. وعلى مدار سنوات، شكلت الحديقة متنفسًا رئيسيًا لسكان الأحياء الغربية، ومكانًا للاسترخاء ولعب الأطفال، فضلًا عن كونها جزءًا من الذاكرة الجمعية للمدينة.
ورغم أن الحديقة كانت بحالة جيدة نسبيًا قبل بدء أعمال التأهيل، فوجئ الأهالي قبل نحو ثلاث سنوات بإزالة معالمها القديمة والشروع في مشروع ترميم شامل من قبل بلدية الشعب التابعة لمجلس الرقة المدني، تخللته تغييرات اعتبرها كثيرون “غير مبررة”، أبرزها استبدال الحجارة البيضاء بأخرى سوداء بركانية، ما أفقد الحديقة طابعها المعروف.
سامر أبو كرم، أحد سكان أحياء الرقة الغربية، قال في تصريح لـ “سوريا 24”: “الحديقة البيضاء كانت متنفسًا لنا وملعبًا لأطفالنا. لا نفهم لماذا استبدلت الحجارة البيضاء بحجارة سوداء، وكأن هناك محاولة لمحو جزء من تاريخ المدينة. التأخير الطويل في التنفيذ يزيد من إحباطنا يومًا بعد يوم”.
من جانبها، عبرت فاطمة العبيد، المقيمة بالقرب من الحديقة، عن خيبة أملها، قائلة لـ “سوريا 24”:
“قبل الترميم كانت الحديقة جميلة ونظيفة ولها مكانة خاصة في قلوب الناس، أما اليوم فهي شبه مهجورة. نتساءل لماذا استمر العمل كل هذه السنوات دون إنجاز؟ هل المشكلة في التمويل أم في غياب الجدية؟”
بدوره، يرى الشاب نادر أن القضية تتجاوز مسألة الترميم، موضحًا في حديثه لـ “سوريا 24”: “ما يجري ليس مجرد إعادة تأهيل، بل إساءة واضحة لهوية المدينة. انتظرنا طويلًا، لكننا ما زلنا نرى أعمالًا غير مكتملة. نريد حديقة تعكس روح الرقة وتاريخها، لا تغييرات شكلية تشوه معالمها”.
ورغم تبرير بلدية الشعب للمشروع بأنه يهدف إلى خلق بيئة عمرانية أكثر حداثة، فإن التأخير المستمر والخيارات الشكلية التي لا تنسجم مع الطابع المحلي أثارت تساؤلات واسعة حول جدوى المشروع وأهدافه الحقيقية، لا سيما في ظل غياب الشفافية والتواصل مع المجتمع المحلي.
ويؤكد سكان الرقة أن الحديقة البيضاء ليست مجرد مساحة خضراء، بل رمز حضري يحمل ذاكرة أجيال متعاقبة، مشددين على أن أي خطة تطوير مستقبلية يجب أن تراعي هوية المكان، وأن تنفذ بمشاركة الأهالي لتفادي الإهمال وسوء التخطيط.
وتبقى قضية الحديقة البيضاء مثالًا على التحديات التي تواجه مشاريع إعادة الإعمار في المدينة، حيث يطالب السكان بمزيد من الوضوح والجدية في تنفيذ المشاريع التي تمس حياتهم اليومية ومستقبل الرقة.









