التقى الرئيس أحمد الشرع، في قصر الشعب، وجهاء وأعيانًا من محافظتي اللاذقية وطرطوس، بحضور محافظ اللاذقية محمد عثمان، ومحافظ طرطوس أحمد الشامي، في لقاء خُصص لمناقشة أوضاع الساحل، وفتح قنوات تواصل مباشر مع ممثلي المجتمع المحلي في هذه المرحلة.
ووفق المعرفات الرسمية لرئاسة الجمهورية، أكد الرئيس الشرع خلال اللقاء أن سوريا تدخل مرحلة جديدة من إعادة بناء الدولة على أسس الاستقرار ومشاركة الشعب، مشددًا على أن الدولة لا تحمل أي نزعات إقصائية أو ثأرية تجاه أي مكون، وأنها تقوم على مبدأ المواطنة الذي يضمن العدالة ويحفظ حقوق جميع السوريين.
وعود بالإفراج عن معتقلين عسكريين
فيما يتعلق باللقاء ومخرجاته، قال نصر داهود سعيد لموقع “سوريا 24” إن الرئيس الشرع استمع إلى مداخلات عشرات المشاركين من المكونين السني والعلوي، حيث طُرحت هموم عامة ومطالب خدمية واقتصادية وأمنية.
ووفقًا لسعيد، فإن الرئيس الشرع أكد أن الساحل يمثل رمزًا للتعايش في سوريا الموحدة، وأن الدولة تولي اهتمامًا خاصًا بمحافظاته، مشيرًا إلى أن الاستثمارات ستبدأ قريبًا في الساحل لجعل المنطقة بيئة جاذبة للمشاريع الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة.
كما تناول اللقاء ملف المعتقلين من العسكريين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، موضحًا أن التأخير في الإفراج عنهم يعود إلى غياب التشريعات الناظمة والمحاكم المختصة، مع التأكيد على العمل الجاد لمعالجة هذا الملف.
وأشار سعيد إلى أنّ الرئيس الشرع شدّد كذلك على تجريم الخطاب الطائفي، مؤكدًا أن الدولة تقف على مسافة واحدة من جميع السوريين، داعيًا إلى طي صفحة الماضي، ومشيرًا إلى أن جميع السوريين كانوا ضحايا للمرحلة السابقة. وأبدى سعيد تفاؤله بنتائج اللقاء، مؤكدًا أن جميع من حضر كانت لديهم انطباعات إيجابية بعد اللقاء.
مطالب خاصة ودعوة لتنمية حقيقية
من جهته، أوضح طارق بدرة، أحد المشاركين في اللقاء، أن وفدًا من أهالي مدينة جبلة شارك في اللقاء وطرح قضايا تتعلق بالواقع القانوني والاقتصادي والخدمي للمدينة، مؤكدًا ضرورة تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المتورطين في الدم السوري، إلى جانب سن قوانين لمكافحة الجرائم الإلكترونية وتجريم الطائفية ودعوات الانفصال.
وفي منشور له عبر صفحته الشخصية على “فيسبوك”، أشار إلى أنّ عددًا من المشاركين طالبوا بإنشاء هيئة تُعنى بشؤون المهجرين، والعمل على الإفراج عن معتقلي الرأي من أبناء المدينة في الخارج.
وأضاف أن المداخلات دعت إلى توجيه الاستثمارات نحو جبلة، وتطوير القطاع البحري والثروة السمكية، وإعادة تشغيل المعامل المتوقفة، وافتتاح فروع جامعية ومعاهد، واسترداد الأموال والأملاك المنهوبة من الدولة والأوقاف والمواطنين. كما جرى التأكيد على دعم القطاع الصحي، واستكمال بناء المشفى الوطني، وبناء مدارس جديدة، وإعادة تأهيل الكوادر التعليمية، وافتتاح فروع لمديريات خدمية لتخفيف أعباء التنقل عن المواطنين.
رسائل سياسية من لقاء جامع
المحامي عروة السوسي قال لموقع “سوريا 24” إن لقاء الرئيس الشرع مع أبناء الساحل لم يكن فقط لسماع المطالب، بل لتوضيح موقف الدولة من قضايا المنطقة، لا سيما في ظل النظر إلى الطائفة العلوية بوصفها الخزان البشري الأبرز للنظام السابق، بما في ذلك مؤسسات الجيش والأمن.
وأشار السوسي إلى أن اللقاء حمل رسائل تهدئة مهمة في ظل محاولات بعض الأطراف عرقلة أي مسار وطني جامع، مؤكدًا أن الدولة السورية هي الحاضن الأساسي لجميع المكونات.
واعتبر أن تهدئة الوضع في الساحل تمثل مدخلًا لإنجاح الاستثمارات وتنشيط السياحة وخلق فرص عمل، لاسيما بعد سنوات من التهميش واستغلال المنطقة كمجال للفساد والتهريب دون تنمية حقيقية، معتبرًا أن مثل هذا اللقاء كان يجب أن يُعقد منذ وقت طويل.
ميليشياوي سابق يتحرك للتفاوض مع الحكومة
يتزامن هذا الحراك مع بروز تصريحات وتحركات من محمد الجابر، المعروف بلقب “أبو جعفر”، وهو شخصية ارتبطت بمرحلة سابقة من الحرب في الساحل.
وينحدر الجابر من ريف اللاذقية، وكان من أبرز رموز تحوّل رأس المال المحلي إلى قوة عسكرية، بعد تأسيسه وقيادته ميليشيا “صقور الصحراء”، التي لعبت دورًا محوريًا في معارك البادية وتدمر، وتأمين طرق الإمداد، مستفيدًا من تمويل خاص، وعلاقات مع أجهزة النظام السابق، وتنسيق مباشر مع القوات الروسية، وخاصة مجموعات “فاغنر”.
لكن مع إعادة روسيا ضبط المشهد العسكري لصالح السيطرة المباشرة، تراجع حضور الجابر، وتفككت قواته، وبقي اسمه مرتبطًا بمرحلة مفصلية من اقتصاد الحرب في الساحل السوري.
وفي ظهوره الأخير، أعلن عن اتصالات واجتماعات مع ممثلين عن رئيس الدولة، لمعالجة ملف الساحل.
وبحسب الجابر، فإن المطالب تضمنت إصدار عفو عام عن جميع مواطني الجمهورية العربية السورية داخل وخارج البلاد، وإخراج جميع المعتقلين والسجناء من السجون، وصرف رواتب الموظفين
الذين فصلوا بشكل قسري لمنحهم فرصًا حياتية جديدة، دون الإشارة إلى إعادتهم إلى وظائفهم.
كما دعا إلى سحب جميع الفصائل المسلحة العائدة للحكومة، بما في ذلك الأمن العام والفصائل الأجنبية، وإنشاء قوة أمنية جديدة تتولى مسؤولية حماية الساحل عوضًا عن تلك المجموعات، مع توليه شخصيًا المسؤولية الأمنية والعسكرية في الساحل هو ومجموعاته، محذرًا من أن أي طرف يعيق الاتفاق سيتحمل المسؤولية.
ودعا محمد الشيخ غزال غزال وأيمن الجابر إلى عدم العبث بمشهد الساحل أو التدخل في الشؤون الأمنية والعسكرية للمنطقة.
أحداث الساحل
جاء هذا اللقاء في سياق بالغ الحساسية، إذ شهد الساحل السوري خلال عام 2025 مسارين متداخلين من التوتر والعنف. ففي آذار/مارس من ذلك العام، اندلعت أحداث دموية واسعة في محافظتي اللاذقية وطرطوس، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل نحو 1400 شخص، من مدنيين وعسكريين، نتيجة عمليات قتل خارج نطاق القانون وأعمال انتقام مسلّحة، أعقبت هجمات نفذتها مجموعات مرتبطة بالنظام الساقط “الفلول”، وأسفرت عن مقتل نحو 400 عنصر من الأمن العام والجيش.
تلك الأحداث دفعت الحكومة إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وأعلنت في محاكمات علنية عن محاسبة بعض مرتكبي تلك الانتهاكات، مع وعود بتقديم المزيد من المتورطين إلى القضاء خلال الأيام القادمة.
مظاهرات في الساحل
وفي كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه، خرجت مظاهرات في عدد من مدن الساحل، عبّر خلالها السكان عن رفضهم استمرار الانفلات الأمني وتدهور الأوضاع المعيشية، مطالبين بالمحاسبة وحماية المدنيين. ولم تُسجل أي انتهاكات بحق المتظاهرين، وقد لقي جهاز الأمن العام إشادة واسعة من مختلف الأطراف في الساحل لحمايته المتظاهرين.
الحكومة ترفض أي مسارات انفصالية
يندرج هذا اللقاء ضمن مسعى واضح من رئاسة الجمهورية لتفويت الفرصة على أي مشاريع تهدف إلى تقويض وحدة البلاد أو فرض وقائع تقسيمية.
وتشير تقارير صحفية إلى تحركات وشبكات تواصل يقودها غزال غزال مع أطراف في السويداء وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي البلاد، ضمن تنسيق ثلاثي يُقال إنه يسعى إلى إضعاف سلطة الدولة ودفع مسارات انفصالية، وهي مقاربات رفضتها دمشق مرارًا.
وفي أكثر من مناسبة، شدد الرئيس أحمد الشرع على أن كل الملفات قابلة للنقاش على طاولة الحوار الوطني، باستثناء مسألة الانفصال، التي اعتبرها خطًا أحمر غير قابل للنقاش، مؤكدًا أن وحدة الأراضي السورية وسيادتها تمثلان أساس أي حل سياسي ومستقبل مستقر للبلاد.








