أحيا المسيحيون في مدينة طرطوس، مساء أمس الثلاثاء، عيد البربارة هذا العام وسط أجواء اتسمت بالفرح والطمأنينة، وبمشاركة مجتمعية واسعة عكست حالة من التآلف بين مكونات المدينة، في وقتٍ برز فيه حضور أمني منظم هدفه تأمين الاحتفالات وضمان سلامة المشاركين، دون أي مظاهر تدخل في الطقوس الدينية.
وشهدت منطقة الشيخ بدر تنظيم احتفال بعيد البربارة بمبادرة من فريق “زيتون”، حيث انتشرت قوى الأمن الداخلي في محيط الفعالية لتأمين المكان والحفاظ على الأمن والنظام، في خطوة لاقت ترحيبًا من الأهالي الذين اعتبروها مؤشرًا على تحسن الاستقرار وتعزيز الشعور بالأمان خلال المناسبات العامة.
احتفال يتجاوز الطقوس الدينية
ولم تقتصر مظاهر الاحتفال على الطابع الديني فحسب، بل اتخذت بعدًا اجتماعيًا جامعًا، مع مشاركة أهالٍ من مختلف الطوائف في الفعاليات، في مشهد أعاد التأكيد على خصوصية طرطوس كمدينة عُرفت تاريخيًا بتنوعها وتعايشها.
وأكد عدد من أهالي المدينة أن المشاركة في الأعياد المسيحية ليست أمرًا جديدًا، بل تقليد اجتماعي راسخ.
ولفتوا إلى أن الاحتفال بعيد البربارة يأتي ضمن سلسلة أعياد نشارك فيها إخوتنا المسيحيين حبًا واحترامًا، ولكل إنسان سوري يحب وطنه ويعمل على جمع القلوب بالمحبة وبناء وطن للجميع، وهذا الأمر قديم وليس وليد اليوم، وفق تعبيرهم.
وأضاف الأهالي أن هذه المبادرات المجتمعية تحمل دلالات خاصة في المرحلة الراهنة، معتبرين أن حلاوة هذه المبادرة من الطائفة الكريمة في الاحتفال مع الإخوة المسيحيين هي دليل واضح على وحدة الشعب، وتعكس رغبة حقيقية في طي صفحات الألم وبناء مرحلة جديدة بعد سقوط النظام السابق.
شعور عام بالطمأنينة والاستقرار
وقبيل إقامة الاحتفالات، ساد شعور عام بالارتياح والاطمئنان بين السكان، انعكس في الإقبال الواسع على المشاركة، وفي غياب أي مخاوف أمنية تُذكر.
ويعزو كثيرون ذلك إلى الانتشار المنظم لقوى الأمن الداخلي، وإلى النهج الجديد في التعامل مع المناسبات الدينية، القائم على الحماية لا الوصاية.
وفي هذا السياق، قال الخوري الياس وهبة في حديث لمنصة سوريا 24، إن “الاحتفالات كانت تسير بصورة جميلة وتعكس محبة الناس وتآلفهم، حيث شارك فيها أناس من جميع الطوائف والمجتمعات”، مشيرًا إلى أن “أجواء الفرحة والبهجة عمّت أرجاء مدينة طرطوس، وسعادة وفرح وسهولة ومحبة شملت وعمت الناس جميعًا”.
غياب التدخل الرسمي وحضور الحماية
من جهته، أوضح سامر قدح، وهو مدرس رياضيات، في حديث لمنصة سوريا 24، أن “الاحتفالات الدينية المسيحية بعد التحرير كانت جميعها مريحة وآمنة”، مضيفًا أن “ما يميز هذه المرحلة هو عدم وجود أي تدخل من السلطة مع رجال الدين أو مع المصلين”.
وأشار إلى أن “الدولة تكتفي برعاية جميع المناسبات الدينية من خلال فرض الأمن حول الكنائس، بما يضمن سلامة المحتفلين ويحفظ قدسية الشعائر”.
رسائل تتجاوز المناسبة
وحسب عدد من سكان طرطوس، فإن احتفالات عيد البربارة في طرطوس حملت هذا العام رسائل تتجاوز المناسبة نفسها، لتؤكد على عودة الحياة العامة إلى مسارها الطبيعي، وعلى قدرة المجتمع المحلي على إعادة إنتاج التعايش والسلم الأهلي، بدعم من إجراءات أمنية تهدف إلى الطمأنة لا التضييق.
وبين الفرح الشعبي، والمشاركة العابرة للطوائف، والحضور الأمني المنضبط، بدت طرطوس وهي تحيي عيد البربارة مدينة تحاول ترميم ما تصدّع، وتأكيد أن الأعياد ما زالت مساحة جامعة، تعكس نبض الشارع السوري وتطلعاته إلى الاستقرار ووطن يتسع لجميع أبنائه.








