منبج تودع شاعرها حسن النيفي .. مسيرة صاغها السجن والمنفى

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

شيّع سوريون، في مدينة منبج شرق حلب، جثمان الأديب والشاعر والمعتقل السياسي السابق حسن النيفي إلى مثواه الأخير، بعد رحلة علاج ووفاة في فرنسا، أعقبت مسارا طويلا من الاعتقال والمنفى والإبداع.
وكان النيفي قد توفي في أحد مشافي مدينة نانسي الفرنسية، قبل أن يُنقل جثمانه إلى مدينة فرانكفورت الألمانية حيث أُقيمت الصلاة عليه، ثم جرى نقله عبر إسطنبول وعينتاب التركيتين، وصولا إلى مسقط رأسه في منبج، حيث وُوري الثرى وسط حضور شعبي وثقافي.

وُلد حسن النيفي عام 1963 في مدينة منبج بريف حلب، ويُعد من الأصوات الثقافية التي جمعت بين الإبداع الشعري والالتزام الوطني. اعتُقل عام 1986 أثناء دراسته في السنة الرابعة بقسم اللغة العربية في جامعة حلب، وقضى خمسة عشر عاما في سجون نظام الأسد، متنقلا بين عدد من المعتقلات، من بينها سجن تدمر العسكري، قبل الإفراج عنه عام 2001.

أصدر النيفي ديوانه الأول «هواجس وأشواق» عام 1985، ثم «رماد السنين» عام 2004، الذي استعاد فيه قصائد حفظها عن ظهر قلب خلال سنوات الاعتقال، أعقبه ديوان «مرافئ الروح» عام 2010. وتميّز شعره بالوفاء للقصيدة العمودية واستلهام التراث العربي، مع شحنة وجدانية عالية عكست تجربة السجن والمنفى والهم الوطني.

وعقب عام 2011، انخرط النيفي في الحراك المدني، وعمل ضمن المجالس المحلية، كما تولّى مهاما سياسية في مجلس محافظة حلب الحرة خلال عامي 2014 و2015. غادر سوريا لاحقا وأقام في تركيا، واصل خلالها نشاطه الصحفي والإعلامي، قبل أن ينتقل إلى فرنسا لاجئا سياسيا نهاية عام 2022.

ونعاه عدد من رفاقه وأصدقائه من الأدباء والكتّاب، من بينهم الأديب حسن الجنيد، الذي وصفه بالطائر الذي لم تستطع السجون كسر روحه، وبالشاعر الذي لم تُخطئه القافية، معتبرا أن للعربية به أنداء، ولحلب فيه أمان ودعاء.

كما كتب صديقه ورفيق دربه أحمد البرهو نعوة مؤثرة قال فيها إن منبج «استيقظت صباح 18 كانون الأول/ديسمبر 2025 كمدينة يتيمة»، مشبّها رحيله بفقدان نهر كان يمنحها الحياة. واستعاد البرهو تفاصيل إنسانية من سيرة الراحل، تعود إلى عام 2001، بعد خروجه من السجن، حين افتتح مكتبة صغيرة ليكسب رزقه، وروى كيف باع لعبة لطفلة لم يكن في يدها سوى ليرتين، لأن «خاطر البنت كان أغلى من ثمن اللعبة». وأضاف أن ربع قرن من الصداقة جمعهما دون أن يكسر الراحل خاطر إنسان، واصفا إياه بالنهر الذي لا يؤذي صخرة، وبالصوت الدافئ الذي كان يجبر خاطر المنكسرين.

وفي سياق متصل، نعت وزارة الثقافة السورية ووزارة الإعلام السورية الراحل، ووصفتاه بالمثقف والمعتقل السياسي السابق، وأحد أبرز المعارضين لنظام الأسد، مشيدتين بدوره الثقافي ومواقفه الوطنية خلال سنوات الاعتقال وما بعدها.

وبالتوازي، تناقل ناشطون على نطاق واسع حديثا سابقا للنيفي عن إحدى زيارات والدته له في المعتقل، حين قالت له: «ابني، أربطه بإيدي أحملك الدنيا وأجيبها على السجن لحملتها»، في شهادة رأى كثيرون أنها تختصر وجع الاعتقال وقوة الأمهات، وتعكس أحد أكثر وجوه سيرته الإنسانية صدقا.

وأجمع من عرفوا الراحل، من مثقفين وناشطين ورفاق درب، على الإشادة بحسن أخلاقه، وطيب معشره، ورصانة طروحاته الفكرية والسياسية، معتبرين أن حضوره لم يكن صاخبا بقدر ما كان عميقا، وأن أثره سيبقى حاضرا في الذاكرة الثقافية والوجدانية لمنبج وسوريا عموما.

مقالات ذات صلة