في خطوة لافتة أعقبت إقرار إلغاء عقوبات “قانون قيصر” ضمن قانون موازنة الدفاع الأميركي، طالب أكثر من 130 نائبًا جمهوريًا في مجلس النواب الأميركي بفرض رقابة مشددة وضمانات واضحة على الحكومة السورية خلال مرحلة ما بعد رفع العقوبات.
هذه المطالبات أثارت تساؤلات واسعة حول أهميتها وحدود تأثيرها الفعلي، وما إذا كانت تمهّد لإعادة القيود أم أنها تندرج ضمن آليات العمل السياسي المعتادة في واشنطن.
أداة سياسية هدفها حماية القرار
وجاءت هذه التطورات في سياق سياسي حساس، حيث يُعد إلغاء “قيصر” تحوّلًا نوعيًا في السياسة الأميركية تجاه سوريا بعد سنوات من العزلة والعقوبات الشاملة.
وبينما يتم الترويج لبعض المواقف على أنها رسائل تحذير أو إنذار، يعكس ما جرى في المقابل نقاشًا داخليًا أميركيًا حول إدارة المرحلة الجديدة أكثر مما يعكس توجّهًا للارتداد عن القرار المتخذ.
وفي هذا الإطار، أوضح المستشار الدبلوماسي والاقتصادي الأميركي طارق نعيمو، على حسابه في فيسبوك، أن الرسالة التي وقّعها عدد من النواب الجمهوريين لم تكن موجّهة ضد سوريا، ولا تحمل أي نية لإعادة فرض العقوبات أو التراجع عن قرار رفعها.
وأشار إلى أنها جاءت كأداة سياسية هدفت إلى حماية القرار في لحظاته الأخيرة داخل الكونغرس.
وأضاف أن الصيغة النهائية للرسالة كانت نتيجة مفاوضات مباشرة قادها النائب مارلين ستتزمن، وأسهمت في طمأنة نواب مترددين كانوا يطالبون بتعطيل القرار أو ربطه بشروط قاسية.
وبيّن نعيمو أن الورقة لم تُطرح لإعاقة رفع العقوبات، بل لحماية القرار نفسه ومنع تفجيره من الداخل، لافتًا إلى أنه لم يصوّت أي نائب ضد إلغاء العقوبات، وهو ما يؤكد أن تصوير الرسالة على أنها تراجع أو إنذار هو توصيف مضلل.
واعتبر أن ما تحقق صمّام أمان سياسي أبقى سوريا على طاولة السياسة الدولية، ومنع إعادتها إلى مربع العزلة.
لا تغيير في حقيقة إلغاء قيصر
من جهته، أوضح زيد علوش، مسؤول المناصرة في المجلس السوري الأميركي، في حديث لمنصة سوريا 24، أن توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على موازنة وزارة الدفاع جعل إلغاء قانون قيصر واقعًا نافذًا قانونًا، مؤكدًا أن أي بيانات أو مطالبات تُطرح اليوم في الكونغرس لا تتعلق بمبدأ الإلغاء ذاته، بل بكيفية إدارة مرحلة ما بعد قيصر.
وأضاف أن البيان الداعي إلى الرقابة لا يغيّر حقيقة الإلغاء، ولا يعيد تفعيل القانون، ولا ينشئ مسارًا قانونيًا جديدًا لإعادة العقوبات.
وشدّد علوش على أن الانطباع القائل بوجود شروط آلية لإعادة العقوبات غير دقيق وغير قانوني، موضحًا أن النص الموقَّع لا يتضمن أي آلية تلقائية أو إلزامية، بل يكتفي بطلب تقارير دورية من الإدارة إلى الكونغرس، مع الإبقاء على صلاحيات تقديرية موجودة أصلًا لدى السلطة التنفيذية.
واعتبر أن هذا فرق جوهري بين رقابة سياسية معتادة وإلزام قانوني آلي، وفق تعبيره.
وحول خلفيات البيان، رأى علوش أنه قد يكون رد فعل من نواب عارضوا الإلغاء وفشلوا في منعه، أو محاولة لإعادة تموضع سياسي أمام قواعدهم الانتخابية وجماعات الضغط، مشيرًا إلى أن استخدام ملفي الأقليات وحقوق الإنسان كأدوات ضغط أمر مألوف، لكنه لن يؤثر قانونًا على القرار الموقّع.
وخلص إلى أن قانون قيصر انتهى قانونيًا ونهائيًا، لكن التحدي اليوم هو الحفاظ على هذا الإنجاز عبر إدارة دبلوماسية منظمة ويقظة دائمة في واشنطن.
تعبير عن امتعاض من قرار الإلغاء
من جهته، قال الدكتور زكي لبابيدي، رئيس مكتب سوريا في المجلس السوري الأميركي، في حديث لمنصة سوريا 24، إنّه رغم الضغوط الشديدة من اللوبي الإسرائيلي ووزير خارجية إسرائيل، وزيارة نتنياهو الشخصية إلى واشنطن، تمّ إلغاء قانون قيصر دون شروط، بفضل جهود الجالية السورية، وخاصة المجلس السوري الأميركي والأستاذ محمد غانم، والدبلوماسية السورية، ودعم دول مثل السعودية وقطر وتركيا.
أما الرسالة الموقَّعة من 130 نائبًا جمهوريًا، فهي لا تحمل أي التزام قانوني أو تشريعي، ولا تأثير عملي، بل هي مجرد تعبير عن امتعاض من قرار الإلغاء، وجائزة ترضية للوبي الإسرائيلي بعد خسارته الكبيرة.
لكن التحذير مهم: إسرائيل واللوبي الصهيوني لن يتوقفا عن محاولات زعزعة الاستقرار في سوريا، ربما عبر دعم مشاريع انفصالية أو زرع الفتنة، على غرار ما حصل في السودان. لذا، يدعو المجلس السوري الأميركي الجالية ومؤسسات العمل الوطني إلى اليقظة والتحرك المبكر لمواجهة هذه المحاولات.
ووسط كل ذلك، وبينما تتواصل النقاشات داخل أروقة الكونغرس، يبدو أن إلغاء “قانون قيصر” دخل حيّز الاستقرار القانوني، وأن الجدل الدائر يتركز على آليات المتابعة والرقابة، لا على مبدأ العودة إلى العقوبات.
ومع انتقال المعركة إلى مستوى إدارة المرحلة الجديدة، تبقى اليقظة الدبلوماسية عاملًا حاسمًا لصون التحول القائم وتثبيته في مسار سياسي طويل الأمد.








