الوفد التركي في دمشق: رسائل سياسية واختبار عسكري في الشيخ مقصود

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

حملت زيارة الوفد التركي الرفيع إلى دمشق، والتي ضمّت وزيري الخارجية هاكان فيدان والدفاع يشار غولر ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، دلالات تتجاوز الإطار البروتوكولي، إلى إطار أمني وعسكري وسياسي جديد وفق التطورات المتلاحقة التي تشهدها سوريا على مختلف الأصعدة.

ووفق ما أعلنته أنقرة ودمشق، ركّزت على ملفات الأمن القومي، وفي مقدمتها متابعة تنفيذ اتفاق 10 آذار 2025، إلى جانب المخاطر الأمنية في جنوب سوريا في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، وملفات عودة اللاجئين، ومحاربة تنظيم “داعش”.

وأكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن الرئيس أحمد الشرع بحث مع الوفد التركي ملفات “بالغة الأهمية”، شملت التعاون الاقتصادي والتجاري في ضوء رفع العقوبات الأميركية، وتوسيع التنسيق الاستخباري والعسكري، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين.

في المقابل، شدّد فيدان على أن تنفيذ اتفاق 10 آذار ودمج “قوات سوريا الديمقراطية –قسد” ضمن الجيش السوري “أمر ضروري وفي صالح جميع الأطراف”، مبدياً تشكك أنقرة في وجود نية حقيقية لدى “قسد” للالتزام بالاتفاق.

اتفاق 10 آذار: عقدة التنفيذ

يُعد اتفاق 10 آذار حجر الزاوية في المباحثات السورية–التركية، إذ ينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما يشمل المعابر وحقول النفط والغاز، ودمج “قسد” في مؤسسات الجمهورية. غير أن تأخر التنفيذ، واقتراب انتهاء المهلة الزمنية، أعادا الاتفاق إلى واجهة التوتر السياسي.

وكان فيدان قد حذّر “قسد” من أي تأجيل جديد، قائلاً إن استمرار الوضع الحالي “يهدد الوحدة الوطنية”، ومضيفاً أن صبر الأطراف المعنية “بدأ ينفد”، مع تأكيد أن أنقرة لا ترغب بالعودة إلى الخيار العسكري إذا التُزم ببنود الاتفاق.

الشيخ مقصود والأشرفية: أول اختبار ميداني

عقب الزيارة مباشرة، شهد محيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب اشتباكات متقطعة بين قوات من الجيش السوري و”قسد”، أعادت إلى الأذهان توترات مماثلة وقعت في تشرين الأول الماضي.

ورغم تبادل الاتهامات حول المسؤولية، فإن توقيت الاشتباكات أثار تساؤلات حول ارتباطها المباشر بالمناخ السياسي الذي رافق زيارة الوفد التركي.

ويرى المحلل السياسي التركي هشام جوناي في حديث لمنصة سوريا 24، أن “زيارة الوفد التركي إلى دمشق ليست حدثاً بروتوكولياً، بل مؤشر على تحول استراتيجي تدريجي في مقاربة أنقرة للملف السوري”.

وأضاف ن “ما جرى في الشيخ مقصود والأشرفية هو أول اختبار ميداني لهذه المقاربة، ورسالة بأن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة تشكيل قاسية للتوازنات، غالباً على حساب الفاعلين المحليين والمجتمع المدني”.

أبعاد ثلاثية للزيارة

من جانبه، أوضح أنس الكردي، رئيس قسم الأبحاث والسياسات بوحدة برادم من دمشق في حديث لمنصة سوريا 24، أن الزيارة تأتي في سياق ثلاثي الأبعاد: “قضايا محلية سورية تتعلق بشرق الفرات ودمج قسد، والعلاقة الثنائية مع أنقرة مع اقتراب انتهاء مهلة اتفاق 10 آذار، إضافة إلى التطورات الإقليمية التي باتت تلقي بظلالها المباشرة على التفاوض السوري–التركي”.

وأشار الكردي إلى أن انتهاء المهلة أثار تساؤلات جدية حول إمكانية تنفيذ الاتفاق، خاصة بعد مواقف منسوبة لمظلوم عبدي تُلمّح إلى رفض الالتزام بالجدول الزمني وطرح شروط إضافية، ما دفع دمشق، على الأرجح، إلى تقييم واقعي لجدوى الاستمرار بالاتفاق بصيغته الحالية.

الخيار الاستراتيجي والبعد الإقليمي

وبحسب الكردي، فإن أحد السيناريوهات المطروحة يتمثل في “إعادة صياغة الاتفاق من الصفر بعد التحرير الكامل لشرق الفرات، وربما توسيعه ليشمل بنوداً جديدة تضمن التوازن والسيادة وتحصل على غطاء مؤسسي سوري رسمي”.

كما لفت إلى أن المباحثات شملت أبعاداً إقليمية، أبرزها مستقبل دور حزب الله في ظل التحركات الدولية لاحتوائه، والتصعيد التركي على خلفية اتفاق الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، الذي تعتبره أنقرة مساساً بمصالحها في شرق المتوسط.

سيناريوهات ما بعد الزيارة

تتراوح السيناريوهات المتوقعة، حسب المتحدثين لمنصة سوريا 24، بين دفع مسار دمج “قسد” عبر ضغوط سياسية وأمنية متصاعدة، أو الذهاب إلى إعادة هيكلة شاملة للاتفاق بما يتوافق مع موازين القوى الجديدة.

وفي المقابل، قد تسعى أطراف متضررة إلى افتعال توترات ميدانية، كما في حلب، لخلط الأوراق وإرباك المفاوضات.

ومع استمرار الوساطة الأميركية، وتأكيد دمشق أن المفاوضات لا تزال قيد الدرس، تبدو المرحلة المقبلة مفتوحة على احتمالات حساسة، حيث ستُختبر جدية الأطراف في ترجمة التفاهمات السياسية إلى وقائع ميدانية مستقرة، بعيداً عن التصعيد الذي قد يهدد مسار التسوية برمّته.

مقالات ذات صلة