رصاصة بلا قصد.. حين يتحول السلاح الفردي إلى قاتل صامت

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24 - منيرة بالوش

في حادثة أعادت فتح جرح جديد لدى أهالي ريف دمشق، لقي الشاب طارق بالوش من بلدة رنكوس حتفه قبل أيام متأثرا بإصابته برصاصة خرجت عن طريق الخطأ من بندقية كانت بحوزة صديقه، في واقعة وصفت بأنها “غير مقصودة”، لكنها انتهت بفقدان حياة شاب بعد يومين من محاولات إسعافه.

الحادثة أثارت حالة من الغضب والسخط الشعبي، وسط تساؤلات متجددة حول انتشار السلاح الفردي غير المنضبط، وتحوله من وسيلة يفترض أن تكون للحماية إلى أداة تحصد أرواح المدنيين، ولا سيما الشباب.

الضحية، وهو من إحدى بلدات ريف دمشق، لم يكن الأول من نوعه، إذ سبقه قبل نحو عام شاب آخر من بلدة رنكوس قتل برصاصة طائشة في حادثة مشابهة. هذا التكرار المؤلم دفع لجنة التنمية في رنكوس إلى إصدار بيان نعي وتحذير، أكدت فيه أن البلدة فقدت قبل عام عمار جهاد عبد الكريم، واليوم يتجدد الألم برحيل الشاب طارق للسبب ذاته. واعتبرت اللجنة أن “السبب واحد: سلاح وخطأ قاتل”، مشددة على أن الحد من هذه المآسي يبدأ من المجتمع نفسه، من داخل البيوت، ومن طريقة التعامل مع السلاح، قبل توجيه اللوم إلى أي جهة أخرى.

وفي بيانها، حملت اللجنة الأهالي والشباب مسؤولية أخلاقية مباشرة، معتبرة أن السلاح وجد لحماية الإنسان ورفع الظلم، لا للاستعراض ولا لإزهاق الأرواح، محذرة من خطورة ممارسات ما تزال رائجة في بعض المناطق، مثل إطلاق النار في الأفراح والمناسبات أو حمل السلاح في التجمعات العامة. ودعت إلى تخزين السلاح في أماكن آمنة ومغلقة، بعيدا عن متناول الأطفال، وإلى تعزيز دور الأسرة في المتابعة والمساءلة، إلى جانب الإبلاغ عن أي سلوكيات خطرة دون تهاون، انطلاقا من مبدأ “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.

ورغم هذه الدعوات، تشير معطيات ميدانية إلى أن السلاح الفردي بات متاحا على نطاق واسع، وبطرق سهلة، عبر مجموعات وصفحات على تطبيق “تلغرام”، مخصصة لبيع وشراء البنادق والمسدسات. وبحسب متابعات محلية، تبدأ أسعار بعض أنواع السلاح الفردي من نحو 250 دولارا، وقد تصل إلى 1500 دولار أو أكثر، تبعا للنوع والحالة، في سوق شبه مفتوحة لا تخضع لرقابة حقيقية.

أحد الشبان من ريف دمشق، تحدث لـ”سوريا 24” شريطة عدم ذكر اسمه، قال إنه اشترى بندقية روسية منذ أسابيع من تاجر ينشط عبر قناة تلغرام مخصصة لبيع السلاح. وبرر ذلك بقوله إن “وجود السلاح في المنزل بات ضروريا في ظل مرحلة غير مستقرة”، مشيرا إلى أنه يحاول تقليل المخاطر عبر عدم إظهاره أمام أطفاله أو حمله في الأماكن العامة. لكنه، في الوقت نفسه، أقر بأن كل هذه الاحتياطات لا تمنع وقوع حوادث قتل غير مقصودة، كما حدث مع شبان كثر في الآونة الأخيرة.

ولا تقتصر خطورة السلاح المنفلت على الحوادث العرضية، بل تمتد إلى تصاعد الجرائم الجنائية المنظمة. ففي حادثة سجلت أمس في مدينة حلب، قُتل صائغان داخل محل للصاغة بعد أن دخل شخصان ملثمان وأطلقا النار عليهما، قبل سرقة كميات من الذهب والفرار من المكان. حادثة أعادت إلى الواجهة مخاوف السكان من تحول السلاح المتفلت إلى عامل مضاعف لانعدام الأمان، لا سيما في المدن الكبرى.

بين الرصاصة الطائشة والجريمة المتعمدة، تبدو النتيجة واحدة: خسارة أرواح بشرية، وتوسع دائرة الخوف وعدم الاستقرار المجتمعي. ومع غياب ضبط فعلي لانتشار السلاح الفردي، تبقى التحذيرات المجتمعية، كبيان لجنة التنمية في رنكوس، بمثابة جرس إنذار أخلاقي، يذكر بأن مواجهة هذه الظاهرة لا تبدأ فقط من القرارات الأمنية، بل من وعي الأفراد، ومسؤولية الأسر، ورفض المجتمع لتحويل السلاح إلى جزء عادي من الحياة اليومية، يدفع ثمنه الأبرياء.

مقالات ذات صلة