سجّلت مدينة الرقة خلال السنوات الأخيرة توسعاً ملحوظاً في استخدام سيارات تُعرف محلياً باسم “الحلفاوية”، حيث بات وجودها لافتاً في شوارع المدينة وريفها، وأسهم بشكل واضح في تغيير أنماط التنقل والعمل، ولا سيما في مجالي الزراعة وتربية المواشي. ويعود هذا الانتشار إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والعملية التي فرضتها الظروف المعيشية الصعبة.
وتُعد سيارات الحلفاوية من الصناعات المحلية، إذ يتم تصنيعها في بلدة حلفاية بريف حماة، والتي اشتُق اسم السيارة منها. وتمتاز هذه المركبات بتكلفتها المنخفضة مقارنة بالسيارات الأخرى، إذ لا يتجاوز سعرها في أغلب الأحيان ثلاثة آلاف دولار، ما جعلها خياراً مناسباً لشريحة واسعة من سكان الرقة في ظل تراجع القدرة الشرائية وارتفاع أسعار السيارات التقليدية وتكاليف صيانتها.
محمد الأحمد، أحد العاملين في القطاع الزراعي بمدينة الرقة، قال في تصريح خاص لـ سوريا 24:
“كنت أبحث عن وسيلة نقل تتحمل الطرق الوعرة وتساعدني في نقل المحاصيل الزراعية دون أعباء مالية كبيرة. السيارات الأخرى كانت مرتفعة الثمن وصيانتها مكلفة، بينما أثبتت سيارة الحلفاوية قدرتها على تلبية احتياجاتي العملية، رغم بساطتها وسعرها الزهيد”.
ويرى الأهالي أن من أبرز أسباب الإقبال على هذه السيارات، عدم خضوعها للإجراءات المرورية المعمول بها، مثل تسجيل اللوحات أو استصدار الأوراق الرسمية، الأمر الذي منح مستخدميها مرونة كبيرة في التنقل، خصوصاً للعاملين في الزراعة وتربية المواشي الذين يتنقلون بشكل دائم بين القرى والمزارع.
وفي هذا الإطار، أوضح أبو سامر، وهو مربي أغنام من ريف الرقة، في حديثه لـ سوريا 24: “توفر لنا سيارة الحلفاوية سهولة كبيرة في التنقل بين المزارع والمراعي، فهي لا تتطلب معاملات مرورية معقدة، وهذا يخفف الكثير من الأعباء مقارنة بالسيارات الأخرى التي تخضع لضوابط صارمة”.
ومع تزايد الطلب على هذا النوع من المركبات، انتشرت في الرقة مكاتب متخصصة ببيع سيارات الحلفاوية، ويعود ذلك إلى قدوم عدد من النازحين من ريفي حمص وحماة، الذين يمتلكون خبرة سابقة في هذا المجال بحكم قربهم من مناطق تصنيع هذه السيارات. وقد وجد هؤلاء في تجارة الحلفاوية فرصة لتأمين مصدر دخل مستقر في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
عبد الله العبد، صاحب أحد مكاتب بيع سيارات الحلفاوية في الرقة، قال لـ سوريا 24: “يشهد السوق طلباً كبيراً على هذه السيارات، لأن الأهالي يبحثون عن حلول عملية ومنخفضة التكلفة للتنقل والعمل. كنا نعمل سابقاً في ريف حمص وحماة، وكانت الحلفاوية منتشرة هناك على نطاق واسع. بعد انتقالنا إلى الرقة، قررنا توفير هذه السيارات هنا، ولاحظنا ثقة كبيرة من السكان بها لسهولة صيانتها واعتماديتها”.
ورغم افتقار سيارات الحلفاوية للعديد من المواصفات المتوفرة في السيارات الحديثة، إلا أنها نجحت في التكيف مع متطلبات الحياة اليومية واحتياجات شريحة واسعة من سكان الرقة. فالقوة الميكانيكية، والسعر المنخفض، وغياب الالتزامات الإدارية، جعلت منها أكثر من مجرد وسيلة نقل، لتتحول إلى أداة عمل أساسية للفلاحين والعمال.
وبذلك، يمكن القول إن سيارات الحلفاوية أصبحت جزءاً مهماً من المشهد الاقتصادي والاجتماعي في الرقة، وتعكس بوضوح قدرة السكان المحليين على إيجاد حلول عملية تتلاءم مع واقعهم المعيشي، في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها سورية.








