تواجه الزراعة في ريف دير الزور الشرقي تحديات متفاقمة تهدد أحد أهم مصادر العيش للسكان، في مقدمتها ظاهرة “تملّح” أو “تسبيخ” الأراضي الزراعية، التي باتت تتوسع بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، نتيجة تداخل عوامل اقتصادية وخدمية وبيئية، أبرزها توقف زراعة مساحات واسعة من الأراضي، وغياب مستلزمات الإنتاج الأساسية، إضافة إلى الاعتماد المتزايد على مصادر مياه غير ملائمة للري.
سبخ الأراضي نتيجة طبيعية لتوقف الزراعة
في هذا السياق، قال نضال الدرويش من سكان دير الزور في حديث لمنصة سوريا 24 إن سبخ الأراضي الزراعية يُعد “نتيجة طبيعية لتوقف زراعة الأراضي”، موضحاً أن المزارعين باتوا عاجزين عن استثمار أراضيهم لعدم توفر المحروقات اللازمة لتشغيل ماكينات سحب المياه من النهر، وغياب البذار والأسمدة، وارتفاع تكاليف حراثة الأرض ومصاريف الإنتاج.
وأشار الدرويش إلى أن المشكلة لا تقتصر على قطعة أرض واحدة، بل تمتد إلى مساحات متجاورة، موضحاً أن التملّح يتوسع ولا يقف عند حدود أرض واحدة، في ظل عجز الفلاحين عن تنفيذ عمليات غسيل واستصلاح التربة، نظراً لكلفتها المرتفعة التي لا يستطيع الفلاح أو صاحب الأرض تحملها، وفق تعبيره.
وأضاف أن هذا الواقع ينعكس بشكل مباشر على المحاصيل الاستراتيجية في البلاد، معتبراً أن استمرار تراجع زراعة القمح والشعير والقطن يهدد “الناتج القومي رقم واحد في سورية”، في ظل غياب سياسات دعم حقيقية تعيد تحفيز الفلاحين على العودة إلى أراضيهم.
دعم محدود لا يوازي حجم الأزمة
وحول دور المنظمات الدولية، أوضح الدرويش أن ما تقدمه من أسمدة وبذار ومشاريع طاقة شمسية لتشغيل مضخات السقاية لا يشكل سوى 2 أو 3 بالمئة من حاجات الأراضي المروية، وهو دعم وصفه بالمحدود وغير الكافي لمعالجة أزمة متجذّرة بهذا الحجم.
كما لفت إلى أن تدني أسعار شراء المحاصيل من قبل الحكومة يشكل عاملاً إضافياً لابتعاد الفلاحين عن الزراعة، معتبراً أن الأسعار الحالية غير مشجعة على الزراعة ولا تتناسب مع حجم التعب والكلفة التي يتحملها المزارع.
الآبار الارتوازية: حل مؤقت بأضرار طويلة الأمد
من جهته، قال المزارعان مازن مطر ورياض العبد الله في حديثهما لمنصة سوريا 24 إن أراضي الريف الشرقي لمحافظة دير الزور تشهد تدهوراً كبيراً من حيث الإنتاج الزراعي، نتيجة معاناتها من ملوحة زائدة تنعكس سلباً على خصوبة التربة.
وأرجعا ذلك إلى لجوء عدد كبير من المزارعين إلى حفر الآبار الارتوازية لسقاية أراضيهم، في ظل صعوبة الحصول على المياه العذبة من نهر الفرات.
وأوضحا أن المياه المستخرجة من هذه الآبار “غير صالحة للسقاية لكونها ذات ملوحة عالية”، ما يؤدي إلى فشل زراعة الأراضي على المدى القريب، وتسريع عملية تصبيخها على المدى البعيد.
وأضافا أن حفر الآبار مكلف جداً، فضلاً عن تأثيره السلبي على خصوبة الأرض، ما يستدعي لاحقاً عمليات استصلاح معقدة ومكلفة.
تحذيرات ميدانية وتقارير دولية
وذكر المصدران أن الاعتماد الواسع على الآبار الارتوازية أصبح ظاهرة عامة، رغم إدراكهم لتداعياتها السلبية، في ظل غياب بدائل عملية ومستدامة للري.
ولفتا إلى وجود تقارير صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، تفيد بتراجع نسبة الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة إلى نحو 60 بالمئة، واصفين هذا الرقم بـ”المؤشر الخطير” الذي ينذر بتداعيات اقتصادية ومعيشية واسعة في المحافظة.
وبيّنا أن استصلاح هذه الأراضي في المستقبل “سيكلف الدولة أموالاً طائلة”، في وقت تتزايد فيه الصعوبات المرتبطة بجر المياه العذبة من نهر الفرات، والتي باتت تحتاج إلى إمكانيات تقنية ووقود لتشغيل محركات الضخ، وهو ما يفوق قدرة معظم المزارعين.
مطالب بحلول عاجلة وشاملة
وأكد المزارعان أن استمرار هذا الواقع يستدعي من الحكومة والمنظمات الدولية “النظر بجدية إلى هذا الملف الحيوي”، والعمل على إيجاد حلول عملية ومستدامة، تشمل دعم مشاريع الري، وتأمين الوقود، وتوفير مستلزمات الإنتاج، إضافة إلى برامج حقيقية لاستصلاح الأراضي المتضررة، بما يسهم في تحسين الواقع المعيشي لسكان ريف دير الزور الشرقي.
وفي ظل اتساع رقعة الأراضي المتملحة وتراجع الجدوى الاقتصادية للزراعة، تبدو الزراعة في ريف دير الزور الشرقي أمام مفترق طرق حاسم، حيث لم يعد تأجيل الحلول خياراً ممكناً، إذا ما أريد الحفاظ على الأرض كمصدر رزق وأمن غذائي في واحدة من أهم المناطق الزراعية في البلاد.








