مع حلول رأس السنة الميلادية، تعيش الرقة أجواء احتفالية خافتة، تختلف كثيرًا عن السنوات الماضية، إذ ألقت الأزمات الاقتصادية المتفاقمة والتوترات السياسية والأمنية بظلالها الثقيلة على مظاهر الفرح، فجعلت المناسبة تمرّ هذا العام بهدوء وحذر واضحين بين سكان المدينة.
وعلى الرغم من أن رأس السنة شكّل لسنوات طويلة مناسبة جامعة لمختلف الطوائف والأعراق في الرقة، إلا أن الواقع المعيشي الصعب دفع كثيرين إلى تقليص احتفالاتهم، والاكتفاء بطقوس رمزية داخل المنازل، بعيدًا عن مظاهر البهجة المعتادة في الشوارع والأسواق.
وفي حديث لـ سوريا 24، قال سركسيان برواني، أحد أبناء الطائفة الأرمنية في المدينة، إن شعور الفرح هذا العام كان منقوصًا بشكل كبير. وأضاف: “كنا ننتظر العيد لنلتقي ونتشارك الفرح، لكن هذا العام تغيّر كل شيء. الغلاء الفاحش جعل تجهيزات العيد عبئًا ثقيلًا، حتى الأمور البسيطة أصبحت صعبة المنال. كما أن القلق الأمني دفع الناس إلى الحذر، فغابت التجمعات الكبيرة واقتصر الاحتفال على نطاق ضيق”.
وتابع برواني بنبرة يطغى عليها الأسى: “نحاول قدر الإمكان الحفاظ على تقاليدنا، لكن الواقع الحالي يجعل الأمر أكثر صعوبة من أي وقت مضى”.
من جانبه، ركّز سامي الخلف، في حديثه لـ سوريا 24، على التأثير المباشر للأزمة الاقتصادية على تفاصيل العيد، موضحًا أن معظم العائلات اضطرت إلى إعادة ترتيب أولوياتها. وقال: “أسعار الملابس والهدايا والمواد الغذائية ارتفعت بشكل كبير هذا العام، ما أجبر الكثيرين على تقليص نفقاتهم. بات التفكير في تأمين لقمة العيش أولوية تتقدم على أي استعدادات احتفالية”.
وأضاف الخلف:
“رغم ذلك، نحاول التمسك بروح العيد، ولو بشكل بسيط، على أمل أن تتحسن الأوضاع قريبًا ويعود الفرح إلى بيوت الناس”.
أما بربريان، وهو أيضًا من المسيحيين الأرمن في الرقة، فقد تحدّث لـ سوريا 24 عن البعد الأمني وتأثيره على الأجواء العامة، مشيرًا إلى أن المخاوف من أي تطورات محتملة قلّلت من زخم الاحتفالات. وقال: “التوترات الأمنية جعلت التجمعات أقل كثافة، والاحتفالات أكثر هدوءًا. هذا الأمر أثّر على روح العيد التي كانت تجمع الناس في أجواء من المحبة والسلام”.
وأضاف: “رغم كل التحديات، ما زلنا نتمسك بالأمل بأن يحمل العام الجديد معه قدرًا من الاستقرار والأمان”.
وتعكس هذه الشهادات حالة عامة يعيشها سكان الرقة بمختلف انتماءاتهم، حيث تداخل القلق الاقتصادي مع المخاوف الأمنية ليشكّلا صورة عيد باهت، تراجع فيه الفرح أمام متطلبات الحياة اليومية. فبعد أن كان رأس السنة مناسبة للبهجة والاجتماع، بات اليوم يمرّ بحسابات دقيقة وإمكانات محدودة، في انتظار انفراج يعيد للمدينة روحها الاحتفالية وأملها المفقود.









