في حوار خاص مع منصة “سوريا 24”، تطرّق سفير الاتحاد الأوروبي في سوريا، ميخائيل أونماخت، إلى جملة من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية المتعلقة بالمرحلة الانتقالية في سوريا.
وقال أونماخت إن سقوط النظام السابق كان خبرًا جميلًا ومهمًا، لأنه أعطى فرصة تاريخية للشعب السوري للمستقبل، ورأى أن هذا العام يشكّل رمزًا للتطور وانتهاء الديكتاتورية، رغم وجود مشكلات كانت متوقعة وليست مفاجئة، مؤكدًا أن الأشهر الماضية أظهرت مؤشرات حقيقية على التقدم، وأن إلغاء قانون قيصر يمنح فرصة إضافية.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي كان يعمل ضد الحكومة السابقة، لكنه اليوم يعمل مع الحكومة الانتقالية، رغم وجود صعوبات كبيرة مثل أحداث الساحل والسويداء وملف “قسد”، وهي تحديات موجودة ومتوقعة، مشيرًا إلى أنه لم تكن هناك رؤية للدولة في زمن بشار الأسد، وأن الحكومة الانتقالية بدأت عملها من تحت الصفر، ولذلك هناك حاجة إلى جهود من كل الجهات، وإلى دور للمجتمع المدني، والاتحاد الأوروبي جاهز للمساعدة.
وأوضح أن الاستقرار الأمني هو مدخل للاستقرار الاقتصادي، وأن الاتحاد الأوروبي كان أول من أزال العقوبات، وأن العقوبات الأوروبية والأميركية زالت تقريبًا، وعلى الحكومة الآن أن تهيّئ الظروف الجيدة للاستثمار والتطور الاجتماعي والاقتصادي.
وأشار إلى وجود روح إيجابية لدى الحكومة السورية و”قسد” لتنفيذ اتفاق آذار، مع وجود وساطة أميركية لإنجاح الاتفاق، وأن الاتحاد الأوروبي على اتصال مع الطرفين ويشجعهما على التنفيذ، ومستعد للمساهمة فيه، بالتوازي مع التعاون مع المجتمع المدني.
موقف الاتحاد الأوروبي من انضمام سوريا إلى التحالف الدولي
ورحّب بانضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، مؤكدًا أن التنظيم خطر على سوريا والمنطقة والعالم، وأن القرار كان مهمًا، وأن داعش لم يكن راضيًا عنه، وأن ما حدث في تدمر لم يكن ضد الأميركيين فقط بل ضد التحالف وضد سوريا والسوريين، وأن الاتحاد الأوروبي يدعم العلاقة بين سوريا والتحالف، وكان شاهدًا على جرائم داعش ضد القوى الأمنية السورية وضد المدنيين، مثل تفجير مار إلياس، محذرًا من أن الخطر لا يزال قائمًا.
نظرة الاتحاد الأوروبي للعلاقة بين دمشق وتل أبيب
وقال إن الاتحاد الأوروبي يدين العمليات الإسرائيلية التي تمس السيادة السورية، ويقف مع وحدة الدولة السورية، ولديه قاعدة ثابتة في مقاربة العلاقة بين دمشق وتل أبيب تستند إلى اتفاق عام 1974، وهي قاعدة أساسية لأي تقدم، مؤكدًا أن موقف الاتحاد من الجولان واضح باعتباره أرضًا سورية محتلة، وأن الاتحاد يتواصل مع جميع الأطراف ويشجع أي تقدم في الملف الأمني والتعايش السلمي.
وأضاف أن موقف الحكومة السورية واضح في تبني سياسة عدم وجود مشكلات مع الجوار، وهي قاعدة جيدة للتقدم.
نظام الحكم شأن داخلي سوري
وقال إن مشاركة الجميع في سوريا الجديدة هي المفتاح لنجاح المرحلة الانتقالية، وإن نظام الحكم خيار سوري داخلي، وإن لمجلس الشعب الدور الأساسي في إصدار القوانين والدستور الذي سيتضمن شكل النظام، وإن الاتحاد الأوروبي لا يتدخل في ذلك، لكنه يمكن أن ينخرط في النقاشات ويعرض التجارب المختلفة وإيجابياتها وسلبياتها دون تدخل.
وأشار إلى أن سوريا دولة جارة للاتحاد الأوروبي، والمسافة بينهما نحو 60 كيلومترًا فقط، وأن الجار الجيد هو الأفضل للجميع، وأن الاتحاد يسعى إلى شراكة حقيقية مع سوريا وتعزيز التعاون مع دول المتوسط، وسوريا جزء منها.
وأضاف أن هناك تعاونًا اقتصاديًا وعلاقات تجارية وبوادر استثمار أوروبي في سوريا، إضافة إلى مساعدات إنسانية، وبرامج في قطاعات متعددة مثل التعليم والصحة والنقل، وأن الاتحاد بدأ صيانة 17 مدرسة في شمال غرب سوريا، ويدعم ستة مشافٍ في القطاع الصحي، وعادت سوريا إلى برنامج “إيراسموس”، وهناك برامج لدعم التعليم والمنح.
سياسة الاتحاد الأوروبي لم تتغير تجاه اللاجئين
وأكد أن سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين لم تتغير، وهي تقوم على حق العودة الآمنة والكريمة والطوعية، وقد عاد نحو مليون لاجئ من دول الجوار، وأن الاتحاد يعمل على تهيئة بيئة مناسبة للعودة داخل سوريا من خلال دعم البنية التحتية والقطاعين الصحي والتعليمي، إضافة إلى دعم دول الجوار.
وختم بالإشارة إلى أن هناك سوريين كثيرين عادوا من أوروبا للمساهمة في بناء بلدهم، ومن بينهم وزير الصحة الذي كان مقيمًا في ألمانيا وحصل على جنسيتها ثم عاد للمشاركة في بناء سوريا.
أونماخت والعلاقة مع دمشق
استعاد ميخائيل أونماخت ذكريات دراسته في دمشق في تسعينات القرن الماضي، وقال إن المدينة ما زالت تحتفظ بالملامح نفسها التي عرفها آنذاك، وهو أمر يراه جميلًا ومؤثرًا، لأنه يعكس حفاظها على روحها وتراثها، لكنه في الوقت نفسه يحمل جانبًا مؤلمًا، لأن التطور الاقتصادي والخدماتي الذي كان يأمله لم يتحقق بالشكل الكافي.
وأضاف أن هذا التوازن بين الثبات والتغيّر يجعل من دمشق مدينة استثنائية، تجمع بين التاريخ الحيّ والحاجة إلى مستقبل أفضل، معربًا عن أمله بأن تنجح سوريا في النهوض، كما نجحت خلال العام الماضي في وضع اللبنات الأولى لإعادة البناء.
وأشار إلى أن تجربة ألمانيا بعد الحرب يمكن أن تكون مصدر إلهام لسوريا، ليس فقط في إعادة الإعمار، بل في ترسيخ السلم الأهلي أيضًا.
وختم بالقول إن دمشق، بمقاهيها وأسواقها وخاناتها وكنائسها وجوامعها وقلعتها، وسوريا عمومًا بثروتها الثقافية والإنسانية، تملك قدرة كبيرة على جذب العالم من جديد متى ما استقر الوضع الأمني.








