مع اقتراب انتهاء المهلة الزمنية لاتفاق العاشر من آذار، تدخل العلاقة بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مرحلة مفصلية، في ظل غياب خطوات تنفيذية واضحة، وتزايد الضغوط الدولية، ولا سيما من واشنطن، لدفع الطرفين نحو إنجاز الاتفاق قبل نهاية العام الجاري.
وتشير تقديرات سياسية إلى أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً كبيرة على “قسد” بهدف توقيع الاتفاق والإعلان عنه رسمياً نهاية كانون الأول، في محاولة لتفادي انهياره والدخول في مرحلة عدم استقرار أوسع في الجزيرة السورية.
بنود الاتفاق: دمج عسكري وأمني معقد
ينص اتفاق 10 آذار على جملة من التفاهمات الحساسة، أبرزها آليات دمج نحو 90 ألف عنصر من «قسد» وقوات الأمن الداخلي “الأسايش” ضمن وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين.
كما يتضمن الاتفاق تخصيص ثلاث فرق عسكرية تابعة لوزارة الدفاع السورية، تتمركز في الرقة ودير الزور والحسكة، وتضم مقاتلين من “قسد”.
غير أن هذه البنود ما تزال تصطدم بتعقيدات سياسية وأمنية ولوجستية، تتعلق بهيكلية القيادة، وسلاسل الأوامر، وملفات النفط والحدود، إضافة إلى تباين الرؤى حول طبيعة اللامركزية ومستقبل الإدارة الذاتية.
دمشق تشكك بالالتزام
وقبل أيام، أبدت وزارة الخارجية السورية تشككاً واضحاً في جدية “قسد” بتنفيذ الاتفاق، مؤكدة أن التصريحات الصادرة عن قيادتها بشأن الاندماج ووحدة الأراضي السورية ما تزال في إطارها النظري، ولم تُترجم إلى خطوات عملية أو جداول زمنية واضحة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول الالتزام الفعلي باتفاق العاشر من آذار.
هذا الموقف يعكس تنامي فجوة الثقة بين الطرفين، ويضع الاتفاق أمام اختبار حقيقي مع انتهاء مهلة تطبيقه.
احتقان عشائري قابل للانفجار
بالتوازي مع المسار السياسي المتعثر، تعود العلاقة المتوترة بين “قسد” والعشائر العربية إلى الواجهة، وسط حالة احتقان شعبي متصاعدة في عدد من مناطق الجزيرة السورية، ولا سيما في دير الزور وأريافها، وسط التحذيرات من أن هذا الاحتقان قد ينفجر في أي لحظة، في حال فشل الاتفاق أو تأجيله دون معالجات حقيقية.
سيناريوهان أساسيان
ويرى الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور سمير العبد الله في حديث لمنصة سوريا 24، أن جميع الخيارات ما تزال مفتوحة مع اقتراب انتهاء المهلة، إلا أنه يرجّح سيناريوهين أساسيين:
السيناريو الأول: التمديد
ويقوم على تمديد الجدول الزمني لتطبيق بعض بنود الاتفاق، ولا سيما تلك المتعلقة بالاندماج العسكري، وملفات النفط والحدود، بحجة أن هذه القضايا المعقدة تحتاج إلى وقت أطول للتنفيذ والتكيّف، وهو طرح تسوّق له «قسد» في المرحلة الحالية.
السيناريو الثاني: التصعيد
وينقسم بدوره إلى:
– تصعيد شامل، وهو احتمال ضعيف في ظل غياب الرغبة لدى الأطراف المعنية في خوض مواجهة واسعة قد تنعكس سلباً على الداخل السوري.
– تصعيد محدود، يُرجّح أن يتركز في المناطق الحدودية السورية–التركية، وكذلك في مناطق غرب الفرات، ولا سيما دير حافر ومسكنة، حيث تفتقر “قسد” إلى مظلة الحماية الأمريكية والدولية، التي يقتصر وجودها عملياً على مناطق الجزيرة السورية.
مسار مركّب لا حسم سريع
من جهته، يطرح الباحث في مركز الحوار للدراسات نورس عبد الله/ مجموعة أوسع من السيناريوهات مع انتهاء مدة اتفاق آذار، تبدأ بإمكانية تطبيق الاندماج التدريجي وفق الاتفاق، مروراً بخيار الحسم العسكري الواسع بالشراكة مع تركيا، وصولاً إلى سيناريو الجمود أو “اللا حسم”، عبر تمديد اتفاق 10 آذار كإطار مؤقت لإدارة الخلافات.
ويعتبر عبد الله في حديث لمنصة سوريا 24، أن جميع هذه السيناريوهات محتملة، إلا أن الأرجح هو الدخول في حالة مركّبة، تتداخل فيها أدوات الاندماج الجزئي مع الضغط السياسي والأمني، وقد تتطور إلى تقدّم مرحلي في مناطق محددة.
ويرجّح أن يشهد العام المقبل تصعيداً عسكرياً مدروساً يترافق مع مفاوضات وتطبيق جزئي لبعض بنود الاتفاق، بانتظار تغيّر الظروف باتجاه حسم نهائي، سواء عبر توافق سياسي شامل أو تصعيد واسع.
مفترق طرق حاسم
ومع اقتراب انتهاء مهلة اتفاق 10 آذار، تبدو الساحة السورية أمام مفترق طرق حاسم، تتداخل فيه الحسابات المحلية والإقليمية والدولية. وبين خيار التمديد المؤقت لتفادي الانفجار، أو التصعيد المحدود للضغط وتحسين شروط التفاوض، يبقى مصير الاتفاق مرهوناً بمدى استعداد الأطراف للانتقال من التصريحات إلى التنفيذ، في واحدة من أكثر الملفات حساسية في المشهد السوري الراهن.








