المصرف المركزي يقونن استبدال الليرة..وتوصيات لعبور آمن

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

بالتزامن مع إعلان الحكومة السورية إطلاق نسخة جديدة من الليرة السورية بعد حذف صفرين من قيمتها الاسمية، فرضت السلطات النقدية إطارًا صارمًا لإدارة عملية الاستبدال عبر تعليمات تنفيذية ملزمة صادرة عن مصرف سورية المركزي، تهدف إلى ضبط العملية بالكامل ومنع أي اجتهادات أو تلاعب أو استغلال، في واحدة من أكثر الخطوات النقدية حساسية منذ سنوات.

وحدد المصرف 55 مؤسسة مالية معتمدة، من بينها مصارف عامة وخاصة وشركات صرافة مرخصة، لتنفيذ عمليات الاستبدال، مع التأكيد على التزامها الكامل بالتعليمات الصادرة عنه خلال جميع مراحل العملية، وتحت رقابته المباشرة. وأكد أن أي مخالفة من هذه الجهات ستعرضها للمساءلة القانونية وسحب الترخيص عند الاقتضاء.

وأكدت الحكومة أن عملية الاستبدال ستدار مركزيًا، وبإشراف مباشر من مصرف سورية المركزي، ومن خلال شبكة محددة من الجهات المعتمدة، وفق جدول زمني تدريجي يضمن الانتقال السلس دون إرباك الأسواق أو المواطنين.

تحذيرات مشروعة وشروط للنجاح
يرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم، خلال حديثه لموقع سوريا 24، أن استبدال العملة يُعد إجراء سياديًا طبيعيًا في مراحل التحول الاقتصادي، إلا أن حساسيته لا تكمن في مبدئه بل في توقيته وآلية تنفيذه.

ويؤكد أن العملية قد تأتي بنتائج عكسية إذا لم تقترن بحزمة إصلاحات اقتصادية شاملة تعالج التضخم، وتشوهات السوق، واختلال هيكل الأجور، وضعف الإنتاج.
ويحذر من أن السياسات النقدية الراهنة تركز على امتصاص السيولة أكثر من تحفيز النشاط الاقتصادي، ما قد يزيد الطلب على الدولار ويقوض الثقة بالعملة الوطنية.

كما يشير إلى أن غياب الشفافية في حجم الكتلة النقدية وآليات التنفيذ قد يؤدي إلى رفض التعامل بالعملة الجديدة، وتعدد أنظمة التسعير، وظهور سوق سوداء موازية بدلًا من تعزيز الثقة وتنظيم السوق.

من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي زياد عربش أن استبدال العملة خطوة تنظيمية استراتيجية لكنها عالية الحساسية، وتتطلب إدارة دقيقة وشفافية مطلقة.

ويشدد، خلال حديثه لموقع سوريا 24، على أن نجاح العملية مرهون بتوافر جدول زمني واضح، وجاهزية تقنية لدى المصارف ومراكز الصرافة، وإطلاق حملة توعية وطنية شاملة تشرح للمواطنين آلية الاستبدال وحقوقهم.

ويضيف أن حذف الأصفار لا يؤثر في القوة الشرائية فعليًا، لكنه قد يؤدي إلى ارتفاع طفيف في الأسعار بسبب عمليات التقريب والارتباك النفسي خلال الفترة الانتقالية، محذرًا من احتمالات الغش واستغلال ضعف المعرفة لدى بعض المواطنين، إضافة إلى الضغط المؤقت على السيولة ما لم تُرافق العملية بإجراءات رقابية فعالة، وحماية حقيقية للودائع وحقوق المغتربين، وربط الخطوة بإصلاحات اقتصادية وهيكلية لضمان استدامة الاستقرار النقدي.

من التعافي إلى التنمية
بدوره، يرى الدكتور معروف الخلف، مدير المعهد العالي لإدارة الأعمال، أن إصدار العملة الجديدة يمثل خطوة محاسبية تقنية تهدف إلى تسهيل التعاملات المالية وتقليل الكلفة التشغيلية، لكنه لا يُعد أداة مباشرة لتحقيق النمو الاقتصادي، الذي يتطلب سياسات أوسع تشمل جذب الاستثمارات، وتنشيط التجارة، وتحسين بيئة الأعمال، وتطوير النظام المصرفي، وتحفيز التحويلات المالية.

ويعتبر أن توقيت الخطوة يعكس انتقال البلاد من مرحلة التعافي إلى مرحلة التنمية، إلا أن نجاحها يبقى مرهونًا بمدى جدية الدولة في تنفيذ إصلاحات أعمق على مستوى المالية العامة، وسوق العمل، والإنتاج، بما يجعل الاستقرار النقدي جزءًا من مسار اقتصادي متكامل لا إجراءً معزولًا.

الهدف تنظيمي لا مالي
في المقابل، تؤكد مصادر في مصرف سورية المركزي لموقع سوريا 24 أن الهدف من عملية استبدال العملة هو فقط تسهيل التداول النقدي، وتخفيف كميات الأوراق النقدية المتداولة، وتحقيق قطيعة رمزية مع رموز النظام السابق، من دون المساس بحقوق المواطنين أو بقيمة مدخراتهم، ومن دون أي تبعات مالية إضافية على الأفراد أو المؤسسات.

وتوضح المصادر أن العملية ليست إجراءً ماليًا يمس القوة الشرائية، بل إجراء تقني محاسبي لتنظيم التداول النقدي، وستُنفذ تدريجيًا وعلى فترة زمنية كافية، مع استمرار تداول العملتين القديمة والجديدة بالتوازي، تتمتعان فيها بالقوة الإبرائية نفسها.

تجارب دولية متباينة
تُظهر التجارب العالمية أن حذف الأصفار من العملات الوطنية يمكن أن يكون أداة فعالة إذا ما اقترن بإصلاح اقتصادي شامل. ففي تركيا (2005)، والبرازيل (1994)، وبولندا (1995)، جاءت هذه الخطوات ضمن برامج إصلاح تضمنت مكافحة التضخم، واستقلالية المصارف المركزية، وتحفيز الاستثمار، ما ساعد في استقرار العملات وتعزيز الثقة بها.

في المقابل، لم تُحقق دول مثل زيمبابوي، وفنزويلا، والأرجنتين، نتائج إيجابية رغم تكرار عمليات حذف الأصفار، بسبب استمرار الأزمات البنيوية، والعجز المالي، وفقدان الثقة بالسياسات النقدية، ما أدى إلى تضخم متجدد، وانتشار الدولرة، وتآكل القوة الشرائية.

وتُبرز هذه التجارب أن تغيير العملة إجراء تقني لا ينجح إلا إذا كان جزءًا من مسار اقتصادي إصلاحي متكامل.

تاريخ الليرة السورية ورجالاتها
ظهرت الليرة السورية لأول مرة عام 1919، في ظل الانتداب الفرنسي، لتحل محل الليرة العثمانية. وكان إصدارها الأول مرتبطًا بالبنك السوري في دمشق، قبل أن يتغير اسمه إلى “بنك سوريا ولبنان الكبير” عام 1924، ويواصل إصدار “الليرة السورية – اللبنانية” حتى فصل العملتين في عام 1937.

بعد الاستقلال، منح قانون النقد لعام 1950 الحكومة السورية الحق في إصدار العملة، وأُنشئت “مؤسسة إصدار النقد السوري” لتتولى هذه المهمة، بدعم تغطية مالية قوية.

وفي عام 1956، تأسس مصرف سوريا المركزي ليحل محل المؤسسة السابقة، ويتولى إدارة السياسة النقدية وإصدار العملة رسميًا.

من أبرز الشخصيات التي ساهمت في تأسيس النظام النقدي السوري عزت طرابلسي، أول حاكم لمصرف سوريا المركزي، المعروف بدفاعه عن استقلال السياسة النقدية السورية خلال فترة الوحدة مع مصر.

تعاقب بعده العديد من الخبراء على إدارة السياسة النقدية، في ظل ظروف اقتصادية متغيرة، وصولًا إلى القرار الأخير بإصدار سلسلة جديدة من الليرة السورية بحلول عام 2026، في إطار حذف صفرين وتنظيم التداول النقدي.

مقالات ذات صلة