Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

تعرف على مخاطر وسائل التدفئة المستخدمة شمال سوريا

سحر زعتور - SY24

أفرزت الحرب السورية الدائرة منذ سبع سنوات واقعاً متغيراً تجاوز في مختلف جوانبه حدود المنطق والواقع الطبيعي الذي تعيشه المجتمعات الأخرى.

تمثل هذا التغيير الاستثنائي بصور عدة طالت كل جوانب الحياة اليومية التي يعيشها المواطن السوري وبخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، ومن بعض صور هذا التبدل تحول وسائل التدفئة والمحروقات، من مواد تساعد المواطن على التكيف مع متغيرات الطقس وبخاصة فصل الشتاء، إلى مصدر خوف وخطر ناجم عن الحرائق التي تتسبب في معظمها تلك الوسائل.

وتشهد تلك المناطق مع قدوم فصل الشتاء من كل عام ارتفاع ملحوظ في حالات الحروق التي تنجم أحياناً عن وسائل التدفئة المستخدمة في المنازل، كالمازوت والحطب والكاز احياناً.

خديجة المحمد (25 عاماً)، كانت إحدى ضحايا تلك الوسائل، حيث قام زوجها بخطأ غير مقصود أثناء محاولته إشعال مدفأة الحطب مستخدماً مادة المازوت، برشق الزوجة بقطرات من هذا المازوت ما أدى اشتعال النيران في الثياب التي كانت ترتديها، لتصاب بحروق غطت معظم جسدها، وتراوحت ما بين درجات مختلفة.

وقالت “خديجة” خلال حديثها مع SY24، “لم أشعر إلا والنار تمسك بي، حاولت أن أبتعد لكن النار كانت أسرع مني، فقدت الوعي واستيقظت لأجد نفسي ممددة على سرير في أحد المشافي والشاش يغطي جسمي بالكامل ما عدا وجهي”.

وأوضحت أن “مدة علاجي من الحروق استغرقت أربعة أشهر، عانيت فيها آلام عدة، فحروقي كانت من الدرجة الثالثة بحسب وصف الأطباء، حتى أن بعض حروقي تحولت إلى انتانات تطلب علاجها فترات طويلة”.

تتذكر خديجة لحظات وجودها ممددة على سريرها في المشفى، وقالت: “كانت تصيبني حالات اختناق وضيق نفس، فأطلب ممن حولي أن يفتحوا الشبابيك والأبواب علني أحظى ببعض الهواء، بقيت حرارة تلك النيران تلسعني وأحس بها تنال من جسدي، وهذا الإحساس ما زلت أشعر به أحياناً حتى اليوم”.

“أم عبدو” البالغة من العمر 35 عاماً، كانت لها قصة مع وسائل التدفئة لكنها من نوع آخر، وذكرت في تصريح خاص لـ SY24، أنه “عندما كنا نجلس حول مدفأة المازوت في يوم ثلجي بارد، طلب مني أحد الأولاد أن أزيد من حرارة المدفأة، فقمت بذلك وما هي إلا لحظات معدودة، وإذ النار تخرج من أسفل خزان المازوت الذي طار من مكانه وأحدث انفجاراً داخل الغرفة”.

ونجم عن ذلك الانفجار حريق أدى لاشتعال أثاث الغرفة ونشوب النيران فيها، والتي لم تنطفئ إلى أن قام رجال الإطفاء بمساعدة أهل الحي بإخمادها وإسعاف أم عبدو وأطفالها الأربعة إلى المشفى، بحسب رواية جارهم خليل والذي كان أول الواصلين إلى مكان الحريق.

كما قال “خليل” البالغ من العمر 27 عاماً، “أثناء مروري بالقرب من بيت جارنا سمعت صوت انفجار تلاه صرخات تخرج من داخل المنزل، اندفعت مسرعاً إلى مكان الصوت، ودفعت باب الغرفة لأشاهد النيران تلتهم ما فيها، أسرعت أم عبدو بسحب أطفالها خارجاً وهي تناديني (خليل… دخيلك يا خليل، ابني محمد لساتو جوا)، بالفعل نظرت وإذ محمد ابن الثلاث سنوات، نائم تحت بطانيته التي اشتعلت فيها النيران، دفعت البطانية عنه وحملته بين ذراعي إلى خارج المنزل حيث تم نقل الأسرة بالكامل إلى خارج المنزل، ومن ثم رافقت محمد إلى المستشفى لتلقي العلاج من حروق سطحية أصابت يديه ووجهه، بالإضافة إلى حالة اختناق بفعل الدخان الناجم عن الحريق بقي يعاني من آثارها مدة يومين”.

قد يبدو للكثيرين أن اشتعال خزان مدفأة أمر يستحيل حدوثه، كون الخزان في مكان بعيد عن مصدر النيران، تنتفي هذه الغرابة حين نعلم بأن المواد والمحروقات التي تستخدم في مناطق المعارضة، ليست بتلك الجودة المعهودة في وسائل التدفئة والمحروقات.

“أكرم العلوش” تاجر محروقات، أكد أن “ما يصل إلى المناطق المحررة من محروقات يتنوع ويندرج ضمن شرائح مختلفة، في معظمها ليست بتلك الجودة التي كان يعرفها المواطن عن المحروقات سابقا”.

وأضاف، “في السابق كانت المحروقات تخضع لعمليات تكرير ضمن مصافي كبيرة أما اليوم فما يردنا من محروقات ناتجة عن تكرير بدائي بوسائل بدائية لهذا نجد بعض أنواع من المحروقات كالمازوت، تحمل نسبة كبيرة من محروقات أخرى سريعة الاشتعال كالبنزين والكيروسين والتي تحتاج الى خبرة في التمييز”.

“وذكر “العلوش” أن “للمازوت أنواع مختلفة تختلف بحسب المكان التي أتت منه، فمنها الرميلان والرويث وأيضا قرحة الرميلان وهناك نوع يسمى بمازوت الزيت يتم استجرار هذا النوع مؤخراً، وأفضل الأنواع من حيث الجودة وقلة المواد الأخرى الداخلة فيه هو الرميلان، كونه أقل خطورة على مستخدميه في حين أن هناك أنواع أخرى يدخل البنزين في تكوينها بنسب كبيرة ما يؤدي لاشتعالها بسرعة وتتسبب بالحرائق”.

من جانبه، قال “خليل الداني” الممرض الذي يعمل في مستشفى كفرنبل الجراحي، “تردنا العديد من حالات الحروق الناجمة بمعظمها عن وسائل التدفئة التي تستخدم بطريقة خاطئة، حيث يقومون بزيادة المازوت أو الكاز في المدافئ بهدف زيادة الاشتعال، فتهب النار فجأة مما يؤدي إلى احتراق القريبين منها بحروق تتنوع بين الأيدي والوجوه وقد تصل إلى البطن أحيانا”.

وأوضح “الداني” أن “المستشفى غير مخصص لعلاج الحروق لهذا يقومون بمعالجة الحروق السطحية التي تندرج ضمن الدرجة الأولى، في حين يتم تحويل حالات من الدرجة الثانية فما فوق الى المشافي القريبة من الحدود السورية التركية، باعتبارها مراكز متخصصة بعلاج هذه الحالات”.

وأردف، قائلاً: “يجب على الأهل امتلاك الوعي الأكبر أثناء تعاملهم مع وسائل التدفئة، الملاحظ في أغلب الحالات الواردة أن المصابين هم من شريحة النساء والأطفال، فمع استخدام وسائل تدفئة تعتمد أساليب بدائية ولا تتمتع بالأمان الكافي يجب اتخاذ كل تدابير الحيطة والحذر”.

وأكد الطبيب المساعد “عبد الله سرجاوي” الذي يعمل في أحد المراكز الطبية المختصة بعلاج الحروق، أن “أغلب حالات الحروق ناجمة عن سوء استخدام وسائل التدفئة، خاصة أثناء بداية الاشتعال”، مبيناً أن “معظم الحالات الواردة الى مركزهم تنجم عن المحروقات بأنواعها بالإضافة إلى مدافئ الحطب”، مشيراً إلى أن “بعض الحالات يضطرون لتحويلها إلى تركيا نظراً لصعوبتها”.

وأضاف “السرجاوي”، أن “الخطر لا ينحصر فقط بوسائل التدفئة، بل هناك حالات ناجمة عن بابور الكاز الشعبي والذي هو أيضاً يحتاج وقوداً لا يتمتع بالمواصفات الجيدة، ويكون اشتعاله سريعا ما يؤدي إلى ازدياد مخاطر استعماله”.

لا ينحصر الضرر الناجم عن وسائل التدفئة بخطر اشتعالها فقط بل يتعداها للمخاطر الصدرية التي تصيب من حولها بفعل الروائح والأدخنة المنبعثة من تلك المواد، فمثلاً بعض أنواع الوقود المستعمل يلاحظ أنه يطلق رائحة كريهة تسبب حساسية لدى بعض الأشخاص وبخاصة من يعانون من حساسية تجاه الروائح.

الدكتور “ذو الفقار الغزول” الأخصائي في طب الأطفال، أوضح أنه “يستقبل عشرات الحالات يومياً لأطفال مصابين بنزلات صدرية وشعبية تكون بمعظمها ناجمة عن الروائح المنبعثة من وسائل التدفئة وبخاصة الحطب منها”، كما أكد أن “هذه الالتهابات الصدرية تعود بالأساس إلى منشأ فيروسي، لكن ظروف تبدلات الطقس تعتبر مناخاً ملائما لانتشار وازدياد هذه الأمراض، فتأتي وسائل التدفئة لترفع النسبة وتزيد من مخاطر الإصابة”.

وكشف أن “هذه الظاهرة تحولت إلى ما يشبه الجائحة أو الوباء، فمعظم حالات الأطفال تدخل مراحل متقدمة تحتاج لإدخال إلى المشافي لإجراء العناية اللازمة، وقد تطول فترة العلاج لتصل إلى أسبوعين في بعض الحالات المستعصية “.

لا تقف معاناة من يتعرضون للحروق عند الألم فقط، فما أن تنتهي معاناتهم الألم حتى يجدون أنفسهم مضطرين للخضوع إلى عمليات تجميل متواصلة تتطلب بعضها سنوات حتى يتم إصلاح الضرر الذي لحق بالعضو المصاب نتيجة الحروق.