Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

في سوريا.. ظهور طابور جديد للخلاص من الطوابير الأخرى!

خاص - SY24

ودع الحاج الستيني “أبو عماد” من سكان مدينة التل بدمشق، آخر أبناءه في مطار دمشق الدولي، منتصف أيلول الماضي، اختار “محمد” الابن الأصغر، الهجرة من سوريا، كما فعل أشقاؤه في السنوات العشر الماضية، يقول :”أبو عماد” بلهجته المحلية “ما عاد ينعاش بهل بلاد، خليهن يسافروا ويعيشوا”

لم يكن سهلاً على رجل كبير في العمر، أن يرسل أبناءه الخمسة واحداً تلو الآخر إلى بلاد المهجر، ويقضي باقي أيامه وحيداً في منزله، إلا أن ضيق العيش داخل مناطق سيطرة النظام وانعدام أغلب مقومات الحياة، جعلت أولاد “أبو عماد” وآلاف العوائل السورية، يروون بقرار الهجرة حلماً وخلاصاً مما اسموه “جحيم سوريا”.

 

في درعا، أمام مكتب الهجرة والجوازات تظهر الصور التي التقطها مراسلنا آلاف الشباب والنساء، يقفون لساعات طويلة في طوابير مزدحمة، لاستكمال أوراق الحصول على جواز السفر، علهُ يكون الخلاص لأي مكان خارج حدود الوطن.

ليس الأمر حكراً على مكاتب الهجرة والجوازات في درعا؛ بل تعددت طوابير الانتظار أمام دوائر الهجرة، في دمشق وحمص وحلب وكان لمحافظات الساحل النصيب الأكبر هذه المرة في موجة الهجرة، حيث يعيش السكان ظروفاً اقتصادية صعبة جداً، بسبب الغلاء والبطالة والفقر والانكماش الاقتصادي، إضافة لانقطاع الكهرباء، وتوالي أزمات الخبز والبنزين والغاز وغيرها من مقومات الحياة التي بات من الصعب الحصول عليها لشريحة كبيرة من السكان.

لسان حالهم حسب منشوراتهم على صفحات التواصل، يقول: إن وعود رأس النظام بتحسن أوضاع البلاد وتوفر فرص عمل، بعد فوزه بالانتخابات المزعومة، لم تتعدى كونها أوهاماً باعها النظام لمؤيديه لم يتحقق منها شيء ما جعل كثير منهم يسلك درب الهجرة كيفها استطاع براً أو بحراً أو جواً.

آلاف العوائل عرضت ما تملكه من عقارات وأراضٍ للبيع، لتأمين تكلفة السفر خارجاً، “سامر45” عاما، اسم مستعار لتاجر عقارات في مساكن برزة بدمشق، قال لمنصة SY24: إن “هناك إقبال كبير على بيع العقارات والمحال التجارية والأراضي في المنطقة، من قبل كثير من الأهالي لتأمين تكاليف السفر والهجرة خارج البلد”.

اضطرت “وداد 33 عام” أم لثلاثة أطفال، أن تبيع منزلها في حي الميدان للحاق بزوجها الذي هاجر منذ 2016 إلى تركيا، تقول لنا: “لم نعد نشبع الخبز!!، أصبحت الحياة في دمشق لا تطاق حرمنا من أبسط مقومات الحياة، أصبح همنا تأمين رغيف خبز لأطفالنا، واللحمة نسينا مذاقها”.

ليست عائلة “وداد” من تعاني ضيق العيش فحسب بل قدر “برنامج الأغذية العالمي” أن 12.4 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بسبب الانكماش الاقتصادي، وارتفاع أسعار الغذاء والوقود وتدهور قيمة الليرة السورية أمام سعر الصرف، ما جعل معظم العائلات لا تستطيع تأمين أدنى مقومات الحياة كالغذاء والخدمات الأخرى التي تلبي احتياجاتهم.

بعد اندلاع الثورة، والتحول نحو العسكرة واشتداد المعارك، واعتقال عدد كبير من الشباب، شهدت سوريا في تلك الفترة موجة هجرة جماعية بلغت ذروتها في 2012 بحثاً عن مكان آمن وهرباً من الاعتقال التعسفي، و قسماً آخر اختار الهجرة للفرار من خدمة العلم، والتحاقه بجيش النظام.

 

تلتها موجة هجرة ثانية في 2015 حيث تقدر الأمم المتحدة عدد اللاجئين السوريين، بأكثر من خمسة مليون ونصف شخص، هاجروا منذ عام 2011 هرباً من القصف والحرب، وبحثاً عن الأمان والحياة، ولكن موجة النزوح الجديدة هذا العام، جاءت بعد توقف الحرب، وتدهور البلاد اقتصادياً حيث أصبح السكان يبحثون عن أدنى مقومات العيش كتأمين الطعام والمياه والكهرباء والصحة والتعليم والعمل.

 

طابور جديد يقف عليه السوريون هذا اليوم، علّه يكون خلاصاً لهم من طوابير أخرى، قضوا أمامها ساعات طويلة في انتظار حصولهم على ربطة خبز، أو جرة غاز أو تعبئة الوقود.