ذهبنا إلى مطعم عبد الرحمن فرهود، الواقع في قلب العاصمة الفرنسية باريس، حيث استقبلنا بوجهه البشوش، الذي لم يتأثر بمرور الزمن ولا بسني الاغتراب.. ما يزال فرهود يحتفظ بنشوة الانتصار والفرح بسقوط نظام الأسد، وهو الذي عاش بدايات الثورة السورية في مدينة حماة، حيث كان الصوت المدوي في ساحات المظاهرات.
ذكريات الثورة في حماة
استرجع فرهود ذكريات الأيام الأولى للثورة، عندما خرج المتظاهرون إلى ساحة العاصي بأعداد هائلة، رافعين أصواتهم ضد النظام. يتذكر المشهد قائلاً: “ملأ المتظاهرون الساحة بأكملها، لم يكن هناك مليون شخص، ولكن لم يكن هناك أقل من 300 أو 400 ألف”. كانت تلك اللحظة، بحسب تعبيره، لحظة كتابة التاريخ.
ولكن سرعان ما تحولت الساحة إلى ميدان للقمع، ففي 29 تموز/ يوليو، شن الجيش السوري هجومًا واسعًا على المدينة، وفرق المتظاهرين بالدبابات. في ذلك اليوم، قُتل شقيقه الأصغر أحمد على يد قناص. وعرض علينا فرهود فيديو مؤلم يظهر أخاه وهو ينزف حتى فارق الحياة.
الهروب والمقاومة
أول ما خرج فرهود من حماة، توجه إلى إدلب عام 2012، حيث مكث لفترة، ثم غادر إلى تركيا، قبل أن يعود مجددًا إلى إدلب. حاول المساهمة في بعض الأنشطة الثورية، لكن دون دور يذكر. خلال تلك الفترة، تعرض للاعتقال مرتين؛ الأولى كانت على يد جبهة ثوار سوريا بسبب خلافهم مع أحرار الشام، حيث اعتقل فقط لكونه من أبناء حماة.
أما الاعتقال الثاني فكان على يد تنظيم داعش في بلدة إسقاط بريف سلقين، حيث بقي محتجزًا لمدة أسبوع أواخر 2013، فقط بسبب كونه حمويًا، بعد ذلك، غادر نهائيًا إلى تركيا، وحاول الاندماج في العمل ضمن المنظمات أو الحكومة المؤقتة، لكن جميع محاولاته باءت بالفشل، حيث أبلغوه أنه لا مكان له في الحكومة التي كانت قائمة على العلاقات العائلية والصداقة. هذا الإقصاء دفعه للانعزال والتركيز على حياته الشخصية.
صراع الحقيقة والأسطورة
ومن بين القضايا التي تؤرق فرهود، قصة إبراهيم قاشوش، المغني الذي نسبت إليه أشهر الأناشيد الثورية. يؤكد فرهود أن القاشوش لم يكن المغني الحقيقي، بل كان مجرد شخصية رمزية صُنعت في خضم الثورة. يقول: “إبراهيم قاشوش كان مواطنًا بسيطًا يعمل في محطة إطفاء، أما من قتله ولماذا قُتل، فلا أعلم. كما أن ذويه لم يخرجوا بأي تصريح أو بيان. لم أره في حياتي، وكل ما أعرفه عنه أن بعض أقاربه أخبروني لاحقًا أنه كان يعاني من إعاقة في يده”.
الغناء للثورة والحنين للوطن
أول مظاهرة خرج فيها فرهود كانت في 25 مارس 2011، حيث بدأ يهتف في أحياء حماة، في جمعة العشائر، أنشد لأول مرة في المظاهرات “سوريا بدها حرية”، وكانت تلك اللحظة علامة فارقة في مسيرته، حيث قرر كسر حاجز الخوف، أما عن دوافعه فيكفي أن تكون ابن مدينة حماة لتكون معارضاً للأسد بالفطرة.
رغم كل ما مرّ به عبد الرحمن فرهود من تغليب للثورة على الأنا، واعتزال العمل الثوري خلال السنوات التي تلت خروجه من سوريا، إلا أنه يؤكد أن عودته ستكون قريبة إلى سويا، وسيصدح مجددًا في ساحات الوطن بأغاني الانتصار. ربما ماتزال مشاعر الحنين إلى ساحة العاصي متقدة في وجدانه، وكما قال لنا في نهاية اللقاء: “سيكون الهتاف مختلفًا الآن.. سأصرخ بصوتي الهدار: غصبًا عنك يا بشار، رحلت ورجعوا الثوار”.