بينما ترتفع درجات الحرارة وتخبو أصوات المولدات في قرى ريف الرقة، لا يزال مشهد الأيادي المنهمكة بزراعة الطماطم والباذنجان والفليفلة في باحات المنازل مشهدًا مألوفًا. فمع كل موسم صيف، يحيي الأهالي عادة قديمة أصبحت اليوم أكثر من مجرد تقليد، إنها طوق نجاة.
تقول صالحة اليحيى، أرملة في أواخر الثلاثينات من عمرها، وهي تخرج من بيتها الطيني في قرية الكسرات حاملة سلة مليئة بالطماطم الطازجة في تصريح لسوريا 24: “أزرع لأطعم أولادي وأبيع ما يزيد”. لم يكن خيار الزراعة رفاهية بالنسبة لها، بل ضرورة فرضتها الحياة بعد فقدان زوجها في الحرب. تضيف: “الخضار المنزلية تساعدني في توفير مصاريف دراسة أطفالي. أصنع المؤن وأبيعها، وأحيانًا يشتري مني الجيران ما يحتاجونه”.
في قرى مثل الرجم الأبيض والخاتونية، أصبحت زراعة الخضار المنزلية أشبه بحركة جماعية، فقلّما تجد بيتًا يخلو من رقعة خضراء صغيرة، يعلوها شبك معدني، وتنسدل منها عروق الطماطم المتسلقة. وقد لجأ الأهالي، في ظل انقطاعات المياه المتكررة، إلى شبكات الري بالتنقيط لتقنين الاستخدام قدر الإمكان، فيما حفر البعض آبارًا ارتوازية في أفنية منازلهم رغم تكلفتها.
يقول جاسم الخلف، شاب من قرية الرجم الأبيض، وهو يشير إلى أرض صغيرة مزروعة بالبندورة في تصريح لسوريا 24: “نعتمد على الأسمدة العضوية من مخلفات المواشي، وهذا يمنح الخضار طعمًا طبيعيًا وجودة عالية دون الحاجة إلى الأسمدة الكيماوية”. يرى الخلف أن هذه الزراعة اليدوية توفر للأسرة اكتفاءً ذاتيًا، وتمنحهم شيئًا من الاستقلالية وسط الأزمات المتكررة.
من جهته، أوضح مثنى العلي، وهو مزارع خمسيني من قرية الخاتونية، أنه اضطر إلى حفر بئر في حديقة منزله بعد أن باتت شبكة مياه الشرب غير موثوقة، قائلًا لسوريا 24: “المياه تنقطع لساعات طويلة، ولا يمكننا الانتظار، فالمزروعات تحتاج إلى سقاية منتظمة”.
وعلى الرغم من التحديات، ما تزال زراعة الخضار المنزلية تمثل إرثًا اجتماعيًا ومصدرًا مستدامًا للدخل والغذاء، في بيئة يعاني سكانها من انعدام الاستقرار الاقتصادي وارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق.
يرى كثير من السكان أن هذه الزراعة تمثل أكثر من مجرد وسيلة للبقاء، بل هي نوع من التمسك بالهوية الريفية والاعتماد على الذات. فوسط الغلاء والبطالة ونقص الخدمات، يبدو أن شتلة الطماطم في باحة منزل بسيط قد تكون أكثر فائدة من عشرات الوعود المعلّقة.