شهدت سماء سوريا مساء الجمعة تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث شن جيش الاحتلال غارات جوية استهدفت مواقع متعددة في عدة مناطق سورية، في انتهاك جديد لسيادة سوريا.
هذا التصعيد أثار قلقًا دوليًا واسعًا، وأعاد التساؤلات حول مدى احتمال تحوّل الأوضاع إلى مواجهة أوسع في المنطقة.
الغارات الإسرائيلية.. أهداف ومزاعم
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح السبت أنه قصف “بـ12 طائرة حربية عشرات الأهداف في سوريا”، بما في ذلك مدافع مضادة للطائرات ومنصات إطلاق صواريخ أرض-جو.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الموجّه للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، في بيان عبر منصة “إكس”: “هاجم الجيش الليلة الماضية، من خلال 12 طائرة حربية، عشرات من البنى التحتية والوسائل القتالية في أنحاء سوريا، من بينها مدافع ضد الطائرات ومنصات صواريخ أرض-جو”.
وأشار أدرعي إلى أن الهجمات أشرف عليها “قائدا سلاح الجو والقيادة الشمالية في الجيش”، مضيفًا أن الجيش الإسرائيلي سيواصل هجماته في سوريا “لإزالة أي تهديد في المنطقة”، بحسب زعمه.
ردود الفعل السورية: الضحايا والمواقع المستهدفة
من جانبها، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) مساء الجمعة بأن الطيران الإسرائيلي استهدف بغارة محيط قرية شطحة بريف محافظة حماة الشمالي الغربي، ما أسفر عن إصابة أربعة أشخاص، دون توضيح حالاتهم الصحية.
كما استهدفت غارات أخرى محيط مدينة حرستا بمحافظة ريف دمشق، ما أدّى إلى مقتل شخص واحد، فيما استُهدفت غارة أخرى محيط مدينة إزرع بريف درعا دون تحديد الأهداف بدقة.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن فجر الجمعة أيضًا عن تنفيذ غارة بالقرب من قصر الرئاسة في دمشق، معتبرًا إياها “رسالة تحذير” للإدارة السورية.
مزاعم إسرائيل بشأن حماية الدروز
وتزامن هذا التصعيد مع تصاعد الحملات السياسية والعسكرية الإسرائيلية التي تزعم حماية الدروز في سوريا، وهو الخطاب الذي كرّره وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، حين زعم أن من “واجب إسرائيل حماية الدروز في سوريا من الأذى، من أجل الدروز في إسرائيل”.
لكن الحكومة السورية حذّرت مرارًا من محاولات تل أبيب استغلال الانتماءات الطائفية داخل المجتمع السوري، مؤكدة أن جميع مكونات الشعب السوري متساوية في الحقوق والواجبات.
وفي وقت سابق اليوم، طالب المتحدث باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي، أنور العنوني، دولة الاحتلال باحترام سيادة سوريا والالتزام باتفاقية فصل القوات.
كما دان غير بيدرسن، المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، بشدة التصعيد الإسرائيلي الأخير، ودعا إلى وقف فوري للهجمات التي تستهدف الأراضي السورية. وتلت ذلك إدانات عربية من دول عدّة للتصعيد الإسرائيلي على سوريا.
هدف سياسي وليس عسكريًا شاملًا
قال عمار فرهود، باحث في الشأن العسكري وفواعل ما دون الدولة، في حديث لمنصة “سوريا 24”: “أعتقد أن إسرائيل لا تسعى إلى الدخول في صدام عسكري شامل مع الإدارة السورية في دمشق. ما تقوم به إسرائيل على الصعيد العسكري له في الأصل هدف سياسي محدد، وليس هدفًا عسكريًا مباشرًا، وبالتالي نحن أمام موجة من التصعيد تتخللها فترات ارتفاع وانخفاض في النشاط العسكري، وذلك لتحقيق الأهداف الإسرائيلية في سوريا”.
وأضاف فرهود: “الغاية هنا هي إبعاد مكونات المجتمع السوري، سواء من حيث الانتماء الطائفي أو السياسي، عن بعضها البعض، والسعي إلى زيادة التباين والشرخ الداخلي بين السوريين. لذلك، لا يمكن اعتبار ما يحدث مقدمة لتصعيد مستمر أو دخول شامل في الشأن السوري، لأن المصالح الإسرائيلية حتى الآن تتحقق من خلال حالة عدم الاستقرار، وتتحقق أيضًا من خلال الاشتباك الداخلي بين السوريين أنفسهم”.
الخطر الحقيقي: اندلاع مقاومة سورية جديدة
بدوره، أكد العقيد إسماعيل أيوب، الخبير العسكري، في حديث لمنصة “سوريا 24”: “أن إسرائيل الآن، كأقوى دولة في المنطقة عسكريًا، مدعومة من أمريكا وغيرها، تلعب دورًا سلبيًا في المنطقة تحت ذرائع مثل حماية الدروز وحماية الأمن القومي”.
وأوضح: “نراها تقصف بعض الأهداف في سوريا، سواء كانت ذات أهمية استراتيجية أو عادية. لكن هذا التصعيد خطير وقد يجرّ المنطقة إلى حرب شاملة، وأحد الاحتمالات هو أن الحكومة السورية في دمشق ربما لا تستطيع منع المجاهدين من الرد على إسرائيل في الوقت الحالي”.
وأشار أيوب إلى أن “الحراك الدبلوماسي هو السبيل الوحيد لحل هذه المسائل، خاصة أن الوضع في سوريا معقد، وللأسف فإن جزءًا من الطائفة الدرزية يُستخدم كورقة ضغط سياسية تخدم الأجندات الخارجية”.
تدخل سافر بدعم أمريكي
من جانبه، قال الناشط السياسي مالك عبيد في حديث لمنصة “سوريا 24”: “هذا التصعيد يدل على التدخل السافر في الشأن الداخلي السوري، وبضوء أخضر أمريكي، بعد تصريحات أمريكية سابقة حول حماية الأقليات وإشراكها في الحكومة”.
وأكد عبيد أن هناك “مساعيَ دبلوماسية إقليمية ودولية لاحتواء الموقف، وخاصة من الدول الأوروبية التي تعاني من أزمات اللاجئين، حيث من مصلحتها إعادة الاستقرار إلى سوريا لإعادة الإعمار وإعادة المهجّرين”.
ورغم أن التصعيد الإسرائيلي محاولة لتغليب الفوضى على الاستقرار في سوريا، فإن التحركات الدبلوماسية من الحكومة السورية، ومن الاتحاد الأوروبي والدول العربية والأمم المتحدة، بالإضافة إلى المصالح المشتركة لعدد من الدول الإقليمية والدولية، قد تكون السبيل لإعادة الهدوء إلى المنطقة.