يشهد ريف القامشلي الغربي أزمة مياه خانقة تهدد حياة آلاف السكان في قرى مثل الثورة، نجموك، تل شعير، عمبارة، الحاتمية، وأم الربيع. هذه الأزمة المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن تزداد حدتها مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، في ظل غياب حلول جذرية، وانقطاع الكهرباء الذي فاقم من معاناة الأهالي، حيث باتوا عاجزين عن الحصول على مياه الشرب.
أصوات من الميدان: “الماء حق.. وليس رفاهية”
يقول حسين حمود من قرية الثورة في حديث لمنصة سوريا 24:
«الأمل الوحيد الذي نعيش عليه هو “الأمل بالله”، ولكن بدون كهرباء لا نستطيع تشغيل مضخة الماء».
ويتحدث بحسرة عن واقع المياه في القرية، حيث أصبحت غير متوفرة حتى للاستخدامات الأساسية.
«أصبحنا نستيقظ كل يوم على الهم نفسه، لا توجد مياه للشرب، ولا للنظافة، ولا حتى لري الأشجار التي في بيوتنا».
من جهته، يوضح أبو ناصر، أحد وجهاء القرية:
«صرنا نحفر بئرًا، وبعده نحفر غيره، والتكلفة كبيرة، والماء الذي يخرج لا يصلح للشرب، فهو ملوث ويسبب الأمراض».
ويشير إلى أن بعض العائلات باتت تضطر لقطع مسافات طويلة لتعبئة المياه من قرى أخرى، فيما تعجز أخرى عن دفع ثمن صهاريج المياه التي يتراوح سعر الصهريج الواحد حاليًا بين 50 و75 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ يفوق قدرة الكثير من الأسر.
الاعتماد على حلول مكلفة وغير فعالة
انقطاع الكهرباء شبه الكامل جعل من تشغيل المضخات أمرًا شبه مستحيل. عدد قليل من القرى يعتمد على الآبار الارتوازية، لكنها غالبًا مشتركة بين عدة قرى، ما يجعل كمية المياه غير كافية. وفي بعض المناطق، تم اللجوء إلى حفر آبار سطحية، لكن نوعية المياه المستخرجة سيئة وغير صالحة للاستهلاك، وتزيد من المخاطر الصحية على السكان، خصوصًا الأطفال.
في المقابل، تمكنت بعض القرى من تركيب منظومات طاقة شمسية بدعم من منظمات إنسانية، ما وفّر كهرباء محدودة لتشغيل الآبار، لكنها ما تزال حلولًا جزئية لا تشمل سوى عدد محدود من المناطق.
تاريخ من المعاناة المستمرة منذ 2013
تشير تقارير محلية إلى أن أزمة المياه في ريف القامشلي الغربي ليست وليدة اللحظة. فمنذ عام 2013، بدأت ملامحها تظهر، وازدادت تعقيدًا بعد تضرر مراكز تغذية الكهرباء نتيجة القصف التركي، بحسب ما أوضحت الإدارة الذاتية. هذا الانقطاع الدائم للكهرباء أدى إلى شلل شبه تام في البنية التحتية المائية، خصوصًا في القرى النائية التي تعتمد بشكل كامل على المولدات أو مضخات المياه الكهربائية.
مناشدات وانتقادات
يطالب الأهالي اليوم بحلول عاجلة، ويحمّلون الجهات المعنية مسؤولية ما آلت إليه الأمور.
«نحن تعبنا»، يقول حسين، «ونريد حلًا طارئًا. يجب أن تعود الكهرباء، ويجب أن يكون هناك تدخل مباشر من المنظمات لتوفير مياه نظيفة ووسائل تشغيل فعالة».
كما وجه عدد من السكان عبر منصة سوريا 24 نداءات إلى مسؤولي الإدارة الذاتية، والمنظمات الدولية العاملة في شمال شرق سوريا، لتأمين حلول دائمة مثل شبكات مياه تعمل بالطاقة البديلة، وتوفير صهاريج ماء صحية، ودعم مشاريع إعادة تأهيل الآبار.
حلول مقترحة على المدى القريب والبعيد
في ظل غياب الكهرباء النظامية، يقترح خبراء محليون الاعتماد على الطاقة الشمسية كمصدر مستدام لتشغيل المضخات، لا سيما أن المنطقة تتمتع بساعات شمس طويلة. كما يدعون إلى حفر آبار جماعية بإشراف صحي مباشر، وتوفير دعم مادي للأسر العاجزة عن دفع ثمن صهاريج المياه.
في الوقت نفسه، هناك حاجة ماسّة إلى تدخل المنظمات الإنسانية الدولية لتقديم مساعدات طارئة على شكل خزانات مياه متنقلة، فلاتر صحية، ومحطات تنقية مياه مؤقتة.
أزمة إنسانية تتطلب تحركًا فوريًا
ما يحدث اليوم في ريف القامشلي الغربي هو أزمة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة. الماء لم يعد مجرد حاجة يومية، بل تحوّل إلى همّ ثقيل على كاهل السكان. ومع تواصل انقطاع الكهرباء وتراجع الخدمات الأساسية، يتطلع السكان إلى تحرك فوري وجاد من الجهات المحلية والدولية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن يتحول العطش إلى كارثة لا يمكن تداركها.