تدمر: المبادرات الأهلية ركيزة النهوض بالواقع الخدمي

Facebook
WhatsApp
Telegram

SY24 -خاص

في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها مدينة تدمر، شرقي محافظة حمص، أصبحت المبادرات الأهلية والمحلية الركيزة الأساسية والأمل الوحيد أمام أهالي المدينة للنهوض بالواقع الخدمي والبيئي والإنساني.

وبعد سنوات من الدمار وتراجع دور مؤسسات الدولة، تحوّلت الجهود التطوعية لسكان المدينة إلى مصدر للإنقاذ الذاتي، حيث امتزجت الغيرة الوطنية بالنخوة المحلية، لتُنتج نموذجًا فريدًا من نوعه في مسيرة التعافي الذاتي.

علينا أن نبدأ بأنفسنا

قال خالد بهاء الدين، مدير تنسيقية تدمر، في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “ليس مهمًا أن نكون بالعشرات لنعمل، وليس ضروريًا أن نمتلك المعدات، بل الأهم أن لا ننتظر البلدية أو الدولة”.

وعبّر عن التحول الذي طرأ على عقلية الكثير من أبناء المدينة، الذين بدأوا يدركون أن إعادة الحياة لا ينبغي أن تتأخر بسبب غياب الجهات الرسمية، بل يجب أن تنطلق من خطوات بسيطة بالقرب من بيوتهم.

وأضاف: “تنظيف الشارع أمام منزلي، وإصلاح كسر في أنبوب ماء الحي، أو حتى جمع القمامة من الحديقة العامة، جميعها أعمال صغيرة، لكنها كبيرة في نتائجها. عملي وإنجـازي، مهما صغُر، هو دعم للدولة ولأركانها”.

مبادرات متعددة ونتائج ملموسة

تشهد مختلف أحياء مدينة تدمر هذه الأيام حراكًا خدميًا غير مسبوق، تنفّذه مجموعات محلية بإشراف لجنة تدمر المدنية، التي أصبحت الجهة المنظمة والمشرفة على معظم المبادرات التطوعية.

وأكد زاهر السليم، عضو اللجنة المدنية، في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، أن “المبادرات الأهلية لعبت الدور الأكبر في ما تحقق من إنجازات في المدينة”، مشيرًا إلى أن “مؤسسات الدولة كانت شبه غائبة، ولولا هذه المبادرات لكانت الأوضاع أسوأ بكثير”.

وأوضح السليم أن “جميع الأعمال المرتبطة بالبنية التحتية والخدمات الأساسية، بما فيها الطبية، هي أعمال أهلية تُنفذ برعاية اللجنة المدنية، وبتمويل ذاتي أو عبر تبرعات من أهالي المدينة أو رجال أعمال من أبناء المنطقة”.

وأضاف أن “التعاون بين الأهالي ولجنة تدمر المدنية أصبح نموذجًا يُحتذى به في كيفية إدارة العمل المحلي في ظل غياب الخدمات الرسمية”.

مبادرات صحية وبيئية وخدمية

وفي هذا السياق، أطلقت لجنة تدمر المدنية خلال الأسابيع الماضية عدة مبادرات خدمية وبيئية في معظم أحياء المدينة.

ومن أبرز المشاريع التي تم تنفيذها: تجهيز قسم غسيل الكلى في مشفى تدمر العام، وذلك بتمويل من مبادرة أطباء الأسنان في المدينة، وبإشراف مباشر من اللجنة المدنية.

كما قامت مجموعة من أهالي منطقة سوق تدمر بصيانة وتشغيل بئر المياه الواقع في جامع السوق، بالإضافة إلى تمديد خطوط توصيل إلى المنازل المجاورة، مما ساهم بشكل ملحوظ في تحسين واقع المياه في تلك المنطقة.

وفي مجال التنظيف والتجميل، نفذت اللجنة المدنية، بالتعاون مع موظفين من هيئة البادية السورية، حملة شاملة لتنظيف وترتيب حديقة متحف تدمر الوطني، بهدف تحسين المظهر العام لهذا الموقع الأثري المهم، وتوفير بيئة استقبال أفضل للزوار والسياح.

الكهرباء والمياه تحت السيطرة الذاتية

ولا تتوقف المبادرات عند حدود الصحة والنظافة، بل تمتد لتشمل خدمات البنية التحتية، مثل الكهرباء والمياه، حيث تعمل ورشات متخصصة في المدينة على متابعة وصيانة الأعطال بشكل يومي، بإشراف دائم من الفرق المحلية، على الرغم من قلة الإمدادات والمواد الضرورية.

وعلى صعيد آخر، تواصل مجموعات الأمن العام جهودها في إزالة الألغام والمخلفات الحربية من محيط المدينة، حيث نُفّذت مؤخرًا حملة واسعة في المناطق الزراعية المحيطة بمطار تدمر العسكري، ضمن خطة متكاملة لإعادة تأهيل المناطق المتضررة، وجعلها آمنة لعودة المواطنين واستثمارها زراعيًا واقتصاديًا.

وفي هذا السياق، أكد بهاء الدين، مدير تنسيقية تدمر، أن هذه المبادرات تمثل ضرورة ملحّة في الوقت الراهن، مشيدًا بـ”الجهود الكبيرة التي يبذلها أبناء المدينة في ظل الغياب الكامل للدعم الحكومي”.

ورأى أن هذه المبادرات “تلعب دورًا محوريًا، ليس فقط في تحسين الخدمات، بل أيضًا في تعزيز اللحمة المجتمعية، وتجاوز الخلافات، وتوحيد الصفوف”.

وقال: “ما يقوم به هؤلاء الشباب والمواطنون العاديون يتجاوز العمل التطوعي، إنه إنقاذ حقيقي لمدينة بأكملها”.

وفي ظل استمرار الظروف القاسية التي تعاني منها مدينة تدمر، يبقى الدور الأبرز للمبادرات الأهلية والمحلية، باعتبارها حلًا عمليًا وفوريًا لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان من خدمات صحية وبيئية وبنية تحتية.

وتبرز الحاجة اليوم إلى تعزيز هذه المبادرات وتطويرها من خلال توفير الدعم المالي، وتسهيل الإجراءات، وتقديم الخبرات الفنية، بما يسهم في استدامتها وتوسيع أثرها الإيجابي على الواقع الخدمي في المدينة.

مقالات ذات صلة