الحوالات الخارجية في سوريا: شريان حياة مستمر لإنعاش الداخل 

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا عقب سقوط النظام السابق، برزت الحوالات المالية القادمة من الخارج كأحد أهم مصادر الدخل التي يعتمد عليها ملايين السوريين. في ظل تدهور الأجور، وتراجع فرص العمل، وتباطؤ عجلة الإنتاج، أصبحت هذه الحوالات – التي يُقدَّر متوسطها اليومي بنحو 3.5 مليون دولار – شرياناً حيوياً يساعد في إبقاء الداخل السوري على قيد الحياة.

ويرى عدد من المتخصصين والعاملين في قطاع الصرافة أن تحرير السوق من قبضة الأجهزة الأمنية، التي كانت تقيّده لعقود وتحتكره عبر شركات محددة، قد أسهم في تنشيط حركة الحوالات بشكل ملحوظ، وسمح بخلق ديناميكية جديدة للاقتصاد السوري المعتمد اليوم بشكل كبير على الدعم المالي القادم من الخارج.

الراتب لا يكفي… والحوالات هي الملجأ الأخير

بحسب منيرة القيسي، وهي موظفة حكومية في دمشق، فإن الراتب الشهري الذي تتقاضاه – والمقدر بنحو 400 ألف ليرة سورية فقط – لا يغطي أبسط الحاجات اليومية، ما اضطرها للعمل في تدريس الأطفال بعد دوامها الرسمي.

وتوضح أن إعالة أسرتها المكونة من خمسة أطفال تتم بشكل رئيسي عبر حوالة شهرية يرسلها ابنها المقيم في ألمانيا بقيمة 200 دولار، معتبرةً أن “الحوالات ليست مساعدة إضافية بل أصبحت ضرورة مطلقة لاستمرار الحياة”.

أما محمد محمود، وهو موظف سابق ترك عمله منذ عام 2013، فيقول إن غياب فرص العمل وانعدام السيولة جعل من الحوالة الشهرية التي يتلقاها من ابنه المقيم في هولندا (300 يورو)، مصدر دخله الوحيد.

ويضيف أن أسعار المواد الغذائية وإن انخفضت بعد سقوط النظام، إلا أن ذلك لم ينعكس على الواقع اليومي بسبب غياب القدرة الشرائية لدى معظم السكان، مشيرًا إلى تفشي البطالة وجمود سوق العمل بعد هروب عدد كبير من أصحاب رؤوس الأموال.

تحرير السوق: من التضييق إلى الانفتاح

يقول راكان المرعي، صاحب شركة حوالات تعمل داخل وخارج سوريا، إن أبرز ما تغيّر بعد سقوط النظام هو تحرر سوق الحوالات من القيود الأمنية التي كانت تحكمه.

ويوضح خلال حديثه لمنصة سوريا 24 أن النظام السابق كان يحتكر ملف الحوالات ضمن شركاته الخاصة، ويضع رقابة استخباراتية صارمة على كل من يتعامل بالعملة الأجنبية.

ويضيف: “كان المواطن العادي معرضاً للاستدعاء الأمني والتعذيب فقط لأنه يحمل مئة دولار. فرع الخطيب بدمشق كان معروفاً بملاحقة كل من يُشتبه بتعامله بالعملة الأجنبية”.

ويؤكد المرعي أن الوضع اليوم مختلف تماماً، حيث باتت الحوالات الخارجية عاملاً حاسماً في إعالة ملايين السوريين داخل البلاد، في ظل ضعف الرواتب وفشل المؤسسات الرسمية في تأمين متطلبات المعيشة.

ويشير إلى أن أكثر من ستة ملايين سوري في أوروبا وتركيا ودول الخليج يسهمون بشكل مباشر في دعم عائلاتهم من خلال تحويل الأموال، ما يجعل من هذه الحوالات “شرايين حياة حقيقية للاقتصاد السوري”.

شركات جديدة تغيّر قواعد اللعبة

وفي السياق ذاته، يوضح مدير صالة حوالات في دمشق أن السوق شهد تطوراً كبيراً مع دخول شركات جديدة قادرة على توفير خدمات تحويل خارجية، لم تكن متاحة سابقاً إلا عبر قنوات محددة.

ويشير إلى أن الإقبال على هذه الشركات تضاعف، خاصة أنها تقدم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 5 آلاف ليرة، خلافاً للشركات القديمة مثل “الهرم” و”الفؤاد” التي ما زالت تسلّم أوراقاً مهترئة أو قديمة، ما يدفع الناس لتفضيل التعامل مع الشركات الحديثة.
ويضيف أن فتح قنوات تحويل من مختلف دول العالم ساهم أيضاً في استقطاب الزبائن الذين كانوا سابقاً يعانون من صعوبات كبيرة في استلام حوالاتهم، لافتاً إلى أن تحسّن سعر الصرف وحرية التعامل بأنواع متعددة من العملات جعل السوق أكثر تنافسية ومرونة.

تأثير محدود على الاستثمار… لكنه حاسم في المعيشة

ويرى الخبير الاقتصادي حيان حبابة خلال حديثه لمنصة سوريا 24 أن للحوالات المالية دوراً إيجابياً في تسريع حركة الإنفاق وتحسين القدرة الشرائية لدى شريحة واسعة من السوريين، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن هذا الدور يبقى محدوداً من الناحية الاستثمارية.

ويقول إن “الحوالات الحالية تُستخدم في تغطية الحاجات المعيشية فقط، ولا تُوظف في مشاريع تنموية أو استثمارية”، مشيراً إلى أن معظم العائلات تنفق هذه الأموال مباشرة على الغذاء والدواء والسكن.

ويقدّر حبابة أن نسبة اعتماد الأسر السورية على الحوالات تتفاوت بين 10 إلى 70% من دخلها الشهري، وهي نسبة تعكس حجم الفراغ الاقتصادي الذي تركه النظام السابق، وتكشف عن هشاشة الواقع المعيشي الراهن.

اقتصاد هشّ يقف على الدعم الخارجي

في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن الاقتصاد السوري في المرحلة الحالية قائم بدرجة كبيرة على الحوالات الخارجية كمصدر وحيد تقريباً للدخل والسيولة. ومع استمرار تدهور الإنتاج المحلي وغياب بدائل مستدامة، تحوّلت الحوالات إلى بديل فعلي عن الدولة في تأمين الإنفاق اليومي للأسر.

في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن الاقتصاد السوري في المرحلة الحالية قائم بدرجة كبيرة على الحوالات الخارجية كمصدر وحيد تقريباً للدخل والسيولة. ومع استمرار تدهور الإنتاج المحلي وغياب بدائل مستدامة، تحوّلت الحوالات إلى بديل فعلي عن الدولة في تأمين الإنفاق اليومي للأسر.

ويبقى التحدي الأكبر أمام صناع القرار هو تحويل هذا الدعم المالي من الخارج إلى فرصة تنموية حقيقية، عبر وضع سياسات تشجّع على الاستثمار وتوفر بيئة آمنة لتحويل الأموال إلى مشاريع صغيرة ومتوسطة تُنعش السوق المحلي وتقلل من الاعتماد المطلق على الخارج

مقالات ذات صلة