الشرع في باريس: تحوّل استراتيجي ورسالة أوروبية لإطلاق شراكة مع سوريا

Facebook
WhatsApp
Telegram

SY24 -خاص

رأت الدكتورة ناهد غزول في تصريح خاص لـ”سوريا 24” أن زيارة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع إلى العاصمة الفرنسية باريس بدعوة رسمية من الرئيس إيمانويل ماكرون تمثّل تحولًا استراتيجيًا في نظرة أوروبا إلى دمشق الجديدة، مؤكدة أن هذه الزيارة لا تعبّر فقط عن انفتاح دبلوماسي، بل عن إعادة تموضع فرنسي–أوروبي في الملف السوري بعد سنوات من المقاطعة.

غزول أوضحت أن باريس ترى في الحكومة السورية الجديدة شريكًا مناسبًا لإعادة الاستقرار إلى سوريا والمنطقة، خاصة في ظل نجاحها في ملفات أمنية حساسة مثل مكافحة تجارة الكبتاغون، والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتفكيك الميليشيات الإيرانية وحزب الله. كما ربطت هذا الانفتاح بالسعي الفرنسي إلى استعادة نفوذها الإقليمي بعد تراجع حضورها في إفريقيا وتوتر علاقاتها مع الجزائر، معتبرة أن سوريا اليوم تشكل بوابة استراتيجية لفرنسا في شرق المتوسط.

العقوبات الأوروبية وفرص التعاون

وفي السياق ذاته، أعطت التصريحات الرئاسية الصادرة عن ماكرون والشرع بعدًا رسميًا لهذا التحوّل؛ فقد شدد ماكرون على أن “أمن السوريين هو الأولوية الأولى”، داعيًا إلى حماية جميع المواطنين دون استثناء، ومحاسبة المتورطين في أعمال العنف الطائفي، لا سيما بحق الدروز والعلويين. من جانبه، وصف الشرع العقوبات الأوروبية بأنها “عقبة أمام الإعمار والتنمية”، مؤكدًا أن استمرارها يُلحق الضرر بالشعب لا بالنظام السابق.

وفي هذا الإطار، اعتبر الحقوقي والمحلل السياسي معتصم الكيلاني في حديثه لـ”سوريا 24” أن ملف العقوبات الأوروبية قد يشهد تطورًا ملموسًا في المرحلة المقبلة، وقال:

“بكل تأكيد، في حال كانت هناك استجابة من الحكومة السورية للمطالب الفرنسية – والتي تمثل موقفًا مشتركًا لعدة دول أوروبية – خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر، فإن ذلك سيكون له أثر إيجابي مباشر على قرار رفع أو تجميد العقوبات عن سوريا.”

استثمار فرنسي في سوريا

على الصعيد الاقتصادي، أوضحت غزول أن باريس تسعى إلى تأمين موطئ قدم اقتصادي في سوريا الجديدة، خاصة عبر مشاريع استراتيجية كتشغيل ميناء اللاذقية، والاستثمار في قطاعات الطاقة والبنية التحتية. ولفتت إلى أن تراجع تدفقات اللاجئين إلى أوروبا في الأشهر الأخيرة دفع فرنسا إلى إعادة تقييم العلاقة مع دمشق، بعدما باتت الحكومة الجديدة تمثل عامل استقرار لا تهديد.

بوابة استراتيجية للتعاون الأوروبي

من جهته، قال المحلل السياسي محمد ياسين النجار لـ”سوريا 24” إن زيارة الشرع إلى باريس تحمل أبعادًا استراتيجية خاصة كونها تأتي بعد توقيع عقد استثماري لتطوير مرفأ اللاذقية مع شركة فرنسية، وتزامنها مع أنباء عن زيارة مرتقبة للمستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى دمشق، ما يشير إلى توافق فرنسي–ألماني على إطلاق شراكة سياسية واقتصادية مع سوريا، في مقابل تردد أميركي بقيادة ترمب في تخفيف العقوبات.

النجار أشار إلى أن فرنسا وألمانيا تملكان معلومات فنية عميقة عن البنية التحتية السورية، خصوصًا أن شركاتهما ساهمت سابقًا في بناء منظومات السكك الحديدية، الطاقة، ومحطات الضخ. وأضاف أن الزيارة جاءت بعد أحداث متسارعة، منها تشكيل الحكومة الانتقالية، توتر الأوضاع في السويداء، والغارات الإسرائيلية، ما يعكس رغبة أوروبية حقيقية في فتح قنوات تعاون مباشر مع سوريا الجديدة، التي تُعد بوابة حيوية للمتوسط والخليج العربي.

وختمت غزول بالقول إن نجاح هذه الزيارة، إلى جانب تحسن العلاقات السورية مع السعودية، قطر، وتركيا، يشكّل أرضية فعلية لانطلاق مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي وإعادة الإعمار. ودعت إلى ترجمة هذا الانفتاح إلى خطوات عملية تشمل تبادل السفراء، تشجيع عودة اللاجئين، واستقطاب الاستثمارات الأوروبية والعربية.

وأكدت أن فرنسا بدأت تتعامل مع الواقع السوري الجديد كفرصة استراتيجية لا كملف عالق في التوازنات الدولية القديمة، وأن زيارة الشرع إلى الإليزيه تمثّل تتويجًا لتضحيات السوريين في إسقاط النظام السابق، وبداية مسار سياسي–اقتصادي يعيد لسوريا مكانتها الإقليمية والدولية.

مقالات ذات صلة