أعلن الاتحاد الأوروبي، أمس الثلاثاء، عن قراره برفع كامل العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة وُصفت بالتاريخية لإعادة دمج البلاد في النظام الاقتصادي والسياسي الدولي.
وأفادت وكالة “أ ف ب” بأن القرار شمل رفع القيود عن القطاعات الاقتصادية الحيوية، بما في ذلك النظام المصرفي السوري، الذي كان محروماً من الوصول إلى الأسواق المالية الدولية. ومع ذلك، أكدت الوكالة أن العقوبات على أفراد من النظام السابق وحظر السلاح لا يزالان ساريين.
الدلالات السياسية والاقتصادية
رأى الدكتور طلال المصطفى، الباحث ورئيس قسم التقارير في مركز حرمون للدراسات، أن رفع كامل العقوبات الأوروبية عن سوريا يُعد تحولًا جذريًا ذا أبعاد سياسية واقتصادية وإدارية عميقة، ليس على المستوى المحلي فقط، بل أيضًا في تموضع سوريا دوليًا.
واعتبر، في حديث لمنصة سوريا 24، أن هذه الخطوة تعني اعترافًا فعليًا بالحكومة الجديدة، وتتيح انخراطًا سياسيًا وتمثيلًا دبلوماسيًا كاملًا، وتنقل سوريا من حالة العزلة إلى حالة تطبيع واقعي، مما يؤثر مباشرة على شكل العملية السياسية وتوازن القوى الإقليمي في الملف السوري.
ولفت إلى أن ذلك يمثل انتقالًا من مرحلة “الاحتواء” إلى مرحلة “الاستثمار”، حيث تبدأ الدول والشركات الأوروبية بالنظر إلى سوريا كفرصة استثمارية، بشرط توفّر بيئة مؤسساتية قادرة على استقبال هذه الاستثمارات وضمان الشفافية.
وأكد أن أي انفراج اقتصادي غير مصحوب بإصلاح سياسي وإداري حقيقي سيعيد إنتاج الأزمة عبر تكريس شبكات الفساد والمحسوبيات، ولذلك يجب النظر إلى رفع العقوبات كفرصة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة.
خلفية العقوبات وتطوراتها
بدأت العقوبات الأوروبية على سوريا في أيار/مايو 2011، بعد اندلاع الثورة السورية وقمع النظام السابق للاحتجاجات.
واستهدفت الحزمة الأولى، التي أُعلنت في 9 أيار/مايو 2011، المسؤولين عن العنف ضد المدنيين، وشملت حظر تصدير الأسلحة ومعدات القمع الداخلي، بالإضافة إلى تجميد أصول الشخصيات المتورطة وفرض قيود على سفرهم.
وأكدت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي آنذاك، كاثرين آشتون، أن العقوبات تهدف إلى “حرمان النظام من الموارد التي تمكّنه من مواصلة القمع”، دون استهداف الشعب السوري.
في 23 أيار/مايو 2011، وسّع الاتحاد الأوروبي العقوبات لتشمل بشار الأسد ومقرّبين منه، في رسالة واضحة تحمّله مسؤولية القمع.
وعلى مدار السنوات، طالت العقوبات مئات الأفراد والكيانات السورية، مما أثّر سلبًا على الاقتصاد السوري، وخاصة قطاعات الطاقة والنقل والمصارف.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2024، أعلن الاتحاد الأوروبي تعليق بعض العقوبات الاقتصادية، بما في ذلك رفع القيود عن قطاعات الطاقة (النفط، الغاز، والكهرباء) والنقل، إضافة إلى خمس جهات مالية وتجارية، مثل المصرف الصناعي ومؤسسة الطيران العربية السورية. ويأتي قرار اليوم ليستكمل هذا المسار برفع كامل العقوبات الاقتصادية.
تحديات وفرص
يشير قرار رفع العقوبات إلى بداية مرحلة جديدة لإعادة الإعمار، حيث ستتدفق استثمارات خاصة وحكومية إلى سوريا. لكن المصطفى يؤكد أن نجاح هذه الفرصة يتطلب خطة حوكمة عاجلة تشمل تعزيز الشفافية وإدماج كوادر مهنية جديدة. كما أن التفكير الغربي في سوريا كسوق استثمارية تنافسية يتطلب بيئة مؤسساتية مستقرة لاستقبال الأموال وضمان الشفافية.
من جانب آخر، أعربت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، عن أملها في أن يسهم القرار في استقرار سوريا وتعافيها. وتأتي هذه الخطوة بالتزامن مع تصريحات ترامب في الرياض، حيث أكّد دعمه لرفع العقوبات كجزء من الشراكة الاستراتيجية مع السعودية، مشيرًا إلى أن إدارته اتخذت خطوات عملية لتطبيع العلاقات مع سوريا.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب والمحلل السياسي أحمد العربي، في حديث لمنصة سوريا 24، إن قرار الرئيس الأمريكي ترمب برفع العقوبات عن سوريا كان الخطوة الأهم بالنسبة لسوريا شعبًا ودولة، حيث أعاد منحها فرصة للربط في التعاملات الاقتصادية والمالية والسياسية والمعونات والمنح للدولة السورية بشكلها الطبيعي كأي دولة أخرى في العالم.
وتابع: “نعلم أن العقوبات الأمريكية والأوروبية كانت قد وُضعت على النظام السوري الساقط، وكانت تنعكس سلبًا على الشعب السوري وما زالت حتى الآن، وما إن أسقط الرئيس ترمب العقوبات الأمريكية عن سوريا حتى بادر الاتحاد الأوروبي إلى إسقاط العقوبات الأوروبية أيضًا. وبذلك، تكون قد أزيلت عقبة أخرى أمام سوريا دولة وشعبًا، وأُعيدت لنا إمكانية التواصل مع العالم بدوله ومؤسساته المالية والاقتصادية والدولية دون أي عقبات، أي أن سوريا تدخل في طور التعافي”.
يمثل رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا نقطة تحول قد تعيد تشكيل مستقبل البلاد سياسيًا واقتصاديًا، لكن التحدي الأكبر يكمن في قدرة الحكومة السورية الجديدة على استثمار هذه الفرصة عبر إصلاحات جذرية تضمن الحوكمة الرشيدة وتجنب الفساد.
ومع انفتاح سوريا على العالم، تبقى الأنظار متجهة نحو كيفية إدارة هذا الانتقال لضمان تعافٍ مستدام يعود بالنفع على الشعب السوري.