في بلدة رنكوس بالقلمون الغربي بريف دمشق، يكافح مئات المزارعين اليوم لإنقاذ أراضيهم الزراعية التي تحوّلت إلى مساحات جافة بعد أن كانت تُعرف بجمال خضرتها وجودة محاصيلها، وذلك نتيجة ردم مئات آبار المياه الجوفية خلال فترة سيطرة قوات النظام وميليشيات الشبيحة على المنطقة في السنوات الماضية.
وبحسب ما أفاد به عدد من المزارعين لـ”سوريا 24“، فإن عمليات الردم لم تكن عرضية أو نتيجة الإهمال، بل تمّت بشكل ممنهج بعد سرقة تجهيزات الآبار، بما في ذلك المضخات “الغطاسات” والأنابيب، ومن ثم طُمرت الحفر بالحجارة والحديد والردميات، ما أدى إلى هلاك المياه الجوفية واختفائها في عمق الأرض.
أيهم قزح، أحد أبناء البلدة الذي يساعد حالياً المزارعين على إعادة فتح الآبار، قال لـ”سوريا 24“: “معاناة المزارعين لا توصف، كأننا فقدنا الروح التي كانت تُحيي هذه الأراضي. قبل دخول قوات النظام، كانت مزارع رنكوس جنّة، واليوم تحوّلت إلى أرض ميّتة. كل مزرعة في البلدة كانت تعتمد على بئر خاص، لكن معظم هذه الآبار دُمّرت وطُمِرت بالكامل، ولم تسلم حتى الأشجار من التخريب”.
ويضيف قزح أن كثيراً من الأهالي يقصدونه يومياً لإعادة فتح آبارهم المغلقة، موضحاً أن الفريق الذي يعمل معه يستخدم كاميرات مراقبة صغيرة لمعرفة نوع الردميات في قاع البئر، والتي قد تكون تراباً، حجارة، أو حتى أسلاكاً ومعدات تالفة طُمِرت عمداً داخل البئر.
ويتابع: “خلال أسبوع واحد فقط، نجحنا في فتح ثلاثة آبار بعد جهد مضنٍ، لكن فشلنا في فتح خمسة أخرى حتى الآن. التكاليف بسيطة نسبياً مقارنة بالأثر الكبير، وتتراوح بين 500 ألف إلى مليوني ليرة، لكن أغلب المزارعين من أهل البلدة لا يملكون هذا المبلغ”.
رئيس بلدية رنكوس، خالد القاسم، أكّد لـ”سوريا 24″ أن الآبار العامة التي تغذّي البلدة لا تعاني من أي ردم أو تخريب، لكن الأمر مختلف بالنسبة لآبار المزارعين، موضحاً أن العديد منها تعرّض للتدمير خلال السنوات الماضية، وأن معظم الفلاحين اليوم عاجزون عن دفع تكاليف إعادة تأهيلها بعد أن خسروا محاصيلهم وأشجارهم التي كانت مصدر رزقهم الأساسي.
يقول أبو محمود، أحد فلاحي البلدة، إنه فوجئ بحالة المزرعة التي يملكها بعد عودته من إدلب قبل شهرين: الأشجار مقطوعة، البئر مردوم بفعل فاعل، بعد سرقة معداته وردمه بصخور وحجارة، وكذلك البيت منهوب وغير صالح للسكن. يضيف بحسرة: “الفلاح فقد كل شيء، ولا يملك ما يدفعه لإعادة تشغيل بئره. الأشجار ذهبت، والمواسم جفّت، ونحن اليوم أمام أزمة زراعية حقيقية”.
في ظل غياب أي دعم حكومي أو مساعدات لإعادة تأهيل هذا المورد الحيوي، تبقى الزراعة في رنكوس مهدّدة بالزوال، فيما يواصل المزارعون الاعتماد على جهود فردية ومبادرات محلية في محاولة أخيرة لإنقاذ ما تبقّى من أراضيهم.