تشهد أسواق السيارات في مدينة الرقة تراجعًا كبيرًا في الحركة التجارية، ما تسبب بخسائر فادحة للتجار، ويعزو هؤلاء التراجع إلى الإجراءات الصارمة التي تفرضها الإدارة الذاتية على السيارات القادمة من مناطق سيطرة الحكومة السورية. تتمثل هذه الإجراءات بفرض مدة زمنية محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر لبقاء السيارات في مناطق الإدارة الذاتية، وبعدها يتم إجبار أصحابها على إعادتها إلى مناطق الحكومة أو مصادرتها.
قيود إدارية تهدد نشاط سوق السيارات
أفاد تجار سيارات في الرقة أن الإجراءات الأخيرة التي فرضتها الإدارة الذاتية على السيارات الوافدة من مناطق الحكومة، أدت إلى تقليص الطلب على السيارات بشكل كبير. وتنص هذه الإجراءات على أن أي سيارة تحمل لوحة صادرة عن حكومة دمشق يمكنها البقاء في مناطق قسد لمدة ثلاثة أشهر فقط، على أن يدفع صاحبها غرامة شهرية قدرها 15 دولارًا خلال هذه الفترة، وبعدها يجب ترحيلها أو يتم مصادرتها.
يقول محيي الدين الإدريس، أحد كبار تجار السيارات في المدينة، في تصريح خاص لـ”سوريا 24″، إن حركة البيع والشراء انخفضت إلى أقل من النصف بعد فرض هذه القيود. وأضاف: “بعد تحرير سورية، أصبح من غير الممكن التعامل مع السيارات الحديثة المستوردة كما في السابق. إذ لم تكن هناك جمركة واضحة، وكانت الإدارة الذاتية تفرض رسومًا جمركية خاصة بها. أما اليوم، فقد أصبحت المعابر الرسمية تُجَمرك السيارات بشكل مباشر، ما دفع الإدارة الذاتية إلى منع دخول السيارات الحديثة”.
الإدريس أوضح أيضًا أن السوق حاليًا يقتصر على بيع وشراء السيارات القديمة التي تم إدخالها قبل سنوات، في حين لا يُسمح للسيارات الحديثة بالحركة بحرية، مما أفقد التجار القدرة على تجديد أسطولهم أو تلبية طلبات الزبائن الباحثين عن مركبات حديثة الطراز.
انخفاض القيمة السوقية وفقدان الثقة
من جهته، أكد التاجر عبد الواحد جيجان أن السيارات التي تحمل لوحات الإدارة الذاتية لا تلقى رواجًا في أسواق المدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، ما يحد من إمكانية التبادل التجاري بين الطرفين. وأضاف أن هذا الانقطاع في سوق العرض والطلب أدى إلى انخفاض حاد في أسعار السيارات، خصوصًا النظامية منها.
ويشير جيجان إلى أن السيارات النظامية، التي كانت تحظى سابقًا بطلب كبير لكونها “أضمن” في ظل التغيرات السياسية، باتت اليوم عبئًا على أصحابها بعد فقدانها لنصف قيمتها تقريبًا بسبب قدم طرازها وعدم مواكبتها للموديلات الحديثة.
ويؤكد عبد السلام الأحمد، أحد سكان الرقة، هذا التراجع في القيمة السوقية، مشيرًا إلى أن سيارته من نوع “بيك أب”، والتي كانت تُقدَّر قيمتها بـ18 ألف دولار، لا تتجاوز قيمتها اليوم 9 آلاف دولار فقط. ويرى أن الوضع الحالي يضع ملاك السيارات في مأزق مالي حاد.
مطالبات بتجنيب القطاع تبعات السياسة
يطالب تجار السيارات في الرقة بضرورة وضع حلول سريعة وفعالة لهذه الأزمة، مشددين على أهمية تحييد سوق السيارات عن الخلافات السياسية والعسكرية بين الجهات المسيطرة. وأكدوا أن استمرار الوضع الراهن قد يؤدي إلى انهيار كامل في سوق السيارات بالمنطقة، وهو ما ستكون له تبعات اقتصادية واجتماعية كبيرة، سواء على التجار أو المواطنين الباحثين عن وسائل نقل بأسعار مقبولة.
ويرى عدد من التجار أن السماح بدخول السيارات الحديثة وفق نظام جمركي واضح وثابت من شأنه أن يُعيد بعض الحيوية للأسواق، ويمنح التجار القدرة على تعويض خسائرهم وتجديد نشاطهم. كما طالبوا بفتح قنوات تفاهم بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية لتنظيم حركة السيارات بما يخدم الصالح العام ويحدّ من الانكماش الاقتصادي المتزايد.
ختامًا، يقف قطاع السيارات في الرقة على مفترق طرق حاسم، بين استمرار التضييق الإداري الذي يهدد بانكماش السوق كليًا، أو اتخاذ إجراءات مرنة تعيد الثقة إلى السوق وتنعش النشاط التجاري في واحدة من أهم أسواق المدينة.