على امتداد نحو 500 دونم من أراضي بلدة كِللي بريف إدلب الشمالي، تتفتح حقول الوردة الشامية في مشهد يأسر النظر ويُنعش الأمل في موسم زراعي مختلف، بات خلال السنوات الأخيرة من أبرز المواسم التي يعتمد عليها مزارعو المنطقة كمصدر رزقٍ أساسي، في ظل الأزمات الاقتصادية وتقلبات الأسواق الزراعية.
بذرة من داريا… وجذور في كللي
عرفت المنطقة زراعة الوردة الشامية منذ نحو سبع سنوات، بجهود أحد مهجّري مدينة داريا بريف دمشق، الذي أدخل هذه الزراعة بهدف الاستثمار الاقتصادي لا لمجرد الزينة. ومع نجاح التجربة وتحقيقها مردوداً جيداً، انتشرت زراعة الوردة بين أهالي البلدة، حتى باتت تشكل اليوم واحداً من المواسم الزراعية الاستراتيجية، ما ساعد على خلق بيئة إنتاجية جديدة تعتمد على عطر الورد وجدواه المالية.
إنتاج متكرر وأسواق واعدة
يقول خالد المصطفى، وهو مزارع وخبير في زراعة الورد وعضو في جمعية “أكاديا” الزراعية، في حديثه لـ سوريا 24، إن الوردة الشامية تعد من المحاصيل ذات الدورة الإنتاجية المتكررة خلال الموسم الواحد، وتلقى طلباً متزايداً في السوق المحلي، خصوصاً بعد فتح أسواق إدلب على باقي المحافظات السورية، ما وسّع من فرص التسويق والتصريف.
ويضيف: “من الورد يُنتج الأهالي شراب الورد والمربى، كما أن لاستخلاص الزيت العطري منها قيمة اقتصادية كبيرة، فهو من أغلى الزيوت وأكثرها طلباً في الصناعات التجميلية والطبية”.
تقلب الأسعار… والمزارع يعوّض خسارته
شهدت أسعار الورد تقلباً ملحوظاً خلال الموسم الجاري، إذ تراوح سعر الكيلو في أول قطفة منذ أسابيع ما بين 35 إلى 50 ليرة تركية، نتيجة طرح كميات كبيرة في السوق. ومع انخفاض الكميات المعروضة مؤخراً، ارتفع السعر ليصل إلى 70 ليرة للكيلو، وهو ما اعتبره المزارعون مكسباً جيداً يعوّض جزئياً خسائرهم في محاصيل أخرى خلال الأعوام الماضية.
الجفاف يهدد الموسم
لكن رغم المؤشرات الإيجابية، لم يَسلم موسم الوردة الشامية هذا العام من تداعيات التغيرات المناخية، إذ أثّر الجفاف بشكل كبير على كمية الإنتاج مقارنة بالعام الماضي، وفق ما أكده المزارع خالد، مشيراً إلى أن تأخر الأمطار وندرة المياه سبّبت ضعفاً واضحاً في المحصول.
مشاريع واعدة وتوجه للاستثمار
من جهتها، أدركت جمعية “أكاديا” الزراعية، وهي منظمة تنموية تركية، أهمية هذا الموسم في كللي، وعملت بالتعاون مع اتحاد الفلاحين في الحكومة المحلية على دعمه وتطويره. يكشف خالد أن الجمعية تخطط لتوسيع زراعة الوردة الشامية من خلال إنشاء بيوت بلاستيكية وتجهيز بنية تحتية أفضل لتكثيف الإنتاج.
ويتابع: “الجمعية وعدت بشراء معمل لاستخلاص زيت الورد وتجهيزه بالكامل، وتعيين كوادر فنية وإدارية من أبناء البلدة لتشغيله، ما سيمثل نقلة نوعية في استثمار موسم الورد وتحقيق عوائد أعلى للمزارعين”.
بين الأمل والتحديات… الوردة الشامية رمز صمود
يرى خالد والمزارعون في بلدة كِلِّلي أن هذا الموسم يمثل فرصة لإعادة الاعتبار للزراعة كمصدر دخل مستقر، رغم التحديات البيئية والاقتصادية. ويأملون أن تجد هذه المبادرات طريقها للتنفيذ الكامل، بحيث تتحول الوردة الشامية إلى رمزٍ لصمود الفلاح السوري في وجه الحرب والجفاف وغياب الدعم.