مع حلول عيد الأضحى المبارك، تعود الحياة تدريجياً إلى مدينة حمص ومناطق ريف حمص الشمالي، حيث يبدأ النازحون والمهجرون بالعودة إلى ديارهم بعد سنوات من الغياب القسري.
وتشكل هذه العودة، التي تأتي بعد سنوات من الانتظار، لحظات إنسانية مؤثرة تعكس رغبة السكان في استعادة حياتهم وبناء مستقبل جديد على أنقاض ما خلفته الحرب.
زيادة ملحوظة في عودة العائلات
في ظل استقرار الوضع الأمني النسبي واستمرار جهود إعادة الإعمار، لوحظ في الآونة الأخيرة ازدياد ملحوظ في أعداد العائلات العائدة إلى قراهم ومدنهم في ريف حمص الشمالي.
هذه العودة ليست فقط لتقييم الوضع أو زيارة الأقارب، بل هناك من اختار الاستقرار النهائي في موطنه الأصلي رغم كل الصعوبات.
محمود أبو سليمان، أحد سكان مدينة حمص، أكد أن “العودة إلى حمص، المدينة أو الريف، تشبه ما يجري في باقي المناطق السورية، لكنها تحمل طابعاً خاصاً بسبب التاريخ المعقد الذي مرت به المنطقة”.
وأشار في حديث لمنصة سوريا ٢٤ إلى أن هناك عائلات كثيرة عادت من لبنان ومن مناطق اللجوء في الشمال السوري، ليعودوا إلى بيوتهم التي هجّروا منها قبل أعوام.
“لكن الواقع الاقتصادي صعب”، يقول أبو سليمان، “فلا تزال هناك الكثير من العائلات تنتظر يد المساعدة لإعادة ترميم منازلها أو بناء أخرى جديدة، لأن بعض البيوت دمرت بالكامل تحت نيران النظام البائد”.
قصص عودة مؤثرة
من بين القصص الإنسانية التي لفتت انتباه أبو سليمان، عودة أسرة كاملة بعد غياب دام عشر سنوات، حيث بلغ غياب البعض 14 عاماً، وآخرون قضوا 10 سنوات في المنفى، وآخرون لم يعاودوا رؤية ديارهم منذ ثماني سنوات.
هذه العودة لم تكن سهلة، فقد كانت بعض القرى خاوية على عروشها، والبنية التحتية منهارة، والمدارس والمستوصفات تحتاج إلى إعادة تفعيل، ومع ذلك، فإن شعور الانتماء الحقيقي للأرض والوطن هو ما دفعهم إلى العودة، حتى لو بخطوات بطيئة.
الزيارة أم العودة الدائمة؟
أما إبراهيم ياسين، وهو من سكان مدينة تلبيسة بريف حمص الشمالي، فأشار إلى أن “العودة بدأت منذ بداية التحرير، لكنها في الآونة الأخيرة أصبحت أكثر وضوحاً مع اقتراب عيد الأضحى”.
وأضاف في حديث لمنصة سوريا ٢٤ أن “الغالبية العظمى من العائدين حالياً يأتون من أوروبا أو دول الخليج، ويعتبرون العودة الآن مجرد زيارة لرؤية أماكنهم وأقاربهم، وليست عودة نهائية”.
ويضيف: “الكثير منهم لا يملك بيتاً صالحاً للسكن، أو إن كان لديه بيت فهو يحتاج إلى ترميم كبير. لذلك، فإن أول شيء يجب توفيره هو المسكن، ومن ثم التفكير في فرص العمل”.
التحديات الاقتصادية تواجه العائدين
رغم الحنين والأماني، فإن التحدي الأكبر أمام العودة الدائمة يكمن في الجانب الاقتصادي. فالعديد من العائدين يتساءلون: “ماذا يمكنني أن أعمل هنا؟ وكيف أؤمن لقمة عيش كريمة لأولادي؟”
ويرى ياسين أن الحل الأمثل هو أن تبدأ هذه العائلات بجمع التبرعات أو الاستثمار المشترك لفتح مشاريع صغيرة، مثل محال تجارية أو ورش عمل أو مصانع بسيطة تساهم في إنعاش الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل للشباب العائدين أيضاً.
الأمل يولد من جديد
وفي ظل الأجواء العيدية التي بدأت تعم القرى والمدن، تعود الحياة تدريجياً إلى مناطق كانت يوماً ما ساحات حرب.
كما أن الأطفال يلعبون في الأزقة، والنساء يجهزن الحلويات التقليدية، بينما يعمل الرجال على ترميم ما يمكن ترميمه، وإعادة تأهيل ما يمكن إنقاذه.
إن عودة النازحين إلى حمص وريفها ليست مجرد عملية نقل جغرافي، بل هي إعادة بناء للنسيج المجتمعي، وإحياء لذكريات ضاعت، وتجديد لعهد مع الأرض والوطن، حسب ياسين.
عيد الأضحى فرصة لبداية جديدة
يأمل الكثيرون أن يكون عيد الأضحى لهذا العام فرصة لتعزيز هذه العودة، وأن تتحول الزيارات المؤقتة إلى استقرار دائم. فكل بيت يُعاد بناؤه، وكل طفل يولد في ديار آبائه، وكل زائر يقرر البقاء، هو خطوة جديدة نحو مستقبل أفضل لحمص الشمالية، تلك الأرض التي لم تنكسر رغم كل ما مر بها.