شهد عيد الأضحى هذا العام مشهداً غير مألوف منذ أكثر من عقد من الزمن، حيث عاد مئات آلاف السوريين من المهجرين والنازحين واللاجئين إلى قراهم ومدنهم في مختلف المحافظات السورية، بعد سنوات من التشرد والابتعاد القسري، في مشهد استثنائي طغت عليه مشاعر الفرح الممتزجة بالحنين والحزن على ما فات.
في القلمون بريف دمشق، عادت نور نجم الدين مع أسرتها إلى قريتهم بعد غياب دام 12 عاماً. كانت سنوات التهجير التي قضتها في إدلب ثقيلة، خاصة في الأعياد التي كانت تتحول إلى مواسم للقهر والغربة، كما تقول. “ثلاثة من أطفالي لا يعرفون قريتنا إلا من الصور ومقاطع الفيديو، واليوم للمرة الأولى يتعرفون على بيت جدهم، وعلى أقاربهم الذين لم يلتقوا بهم من قبل”، تروي نور بفرح لا يخلو من الدهشة.
وتضيف أن فرحة أطفالها هذا العيد “لا توصف”، لأنهم أخيراً شعروا بطقوس العيد الحقيقية بين أهلهم. “العيدية التي حصلوا عليها من جدهم كانت الأغلى، ليس بقيمتها المادية، بل لأنها المرة الأولى التي يعيشون فيها العيد في كنف العائلة”، تقول نور، مؤكدة أن العيد هذا العام كان عيدين: “عيد الأضحى، وعيد اللقاء بعد طول غياب”.
كما شهدت مناطق عديدة مشاهد مماثلة، إذ حرصت عشرات العائلات على العودة إلى مناطقها الأصلية لقضاء العيد، حتى وإن لم تكن الظروف المعيشية ملائمة، بحثاً عن لحظة دفء غابت طويلاً.
في بلدة حجيرة بريف دمشق، عاد أحمد مصطفى إلى منزله المنهوب الذي لم يعد صالحاً للسكن، لكنه أصر على أن يعيش أجواء العيد وسط الحي الذي نشأ فيه. “اللقاء ممزوج بالفرح والحزن، فرح العودة ورؤية الأهل، وحزن على ما آل إليه حال بيوتنا”، يقول أحمد، مشيراً إلى أن معظم منازل الحي تحتاج لإعادة إعمار وكسوة وتكاليف مرتفعة لا يقوى على تحملها. لكنه رغم ذلك قرر استئجار منزل قريب، على أمل أن يتمكن من ترميم منزله الأصلي والعيش فيه من جديد.
“قضيت العيد في حجيرة بين أحبتي، لم تكن هناك زينة أو أضاحٍ كثيرة، لكن لمّة العائلة أغنتنا عن كل شيء”، يقول وهو ينظر إلى الركام الذي لم يُخفِ جمال اللحظة.
وفي بسيمة بوادي بردى عادت وصال أم محمود من الشمال السوري إلى منزلها في البلدة لقضاء أول عيد منذ سنوات في حيّها القديم، بعد أن أعيد فتح الطريق وتنظيفها من الركام والأنقاض الي كانت تغلق الحي. تقول “لم أصدق أنني أمشي في الحي الذي كبرت فيه، كل زاوية تحمل ذكرى”. ويؤكد ابنها محمود أن مشاعر أطفاله الذين التقوا بأقاربهم للمرة الأولى كانت أكبر من أن تُوصف. “لأول مرة يرون منزل جدهم، شعروا بانتماء كانوا يفتقدونه”.
مشاهد العودة امتدت إلى قرى وبلدات في أخرى في جميع المحافظات حيث سارع الأهالي لإصلاح ما يمكن إصلاحه من بيوتهم استعداداً لاستقبال العيد،رغم التحديات الاقتصادية الهائلة وغياب الخدمات الأساسية عن بعض المناطق، إلا أن مشهد العودة المؤقتة أو الدائمة شكّل بارقة أمل لسوريين طال انتظارهم لعيدٍ يشبه أيام الزمن الجميل، حيث صلة الرحم واجتماع العائلة وبهجة الأطفال.
حمل عيد الأضحى هذا العام رمزية مختلفة لكثير من العائلات السورية، ليس فقط باعتباره مناسبة دينية، بل كعلامة على قدرة الناس على التمسك بالحياة والانتماء رغم كل ما مرّ بهم. لم يكن العيد مفعماً بالبذخ أو الطقوس الكاملة، لكنه كان غنياً بعودة الحياة تدريجياً إلى ما كانت عليه يوماً. وبين جدران مهدمة وطرقات موحلة، عادت البهجة بخطى خجولة، لكنها ثابتة.