شهدت محافظة درعا، خلال شهر حزيران من العام الجاري، سلسلة من الزيارات الرسمية عالية المستوى قادمة من دمشق، كان لها صدى واسع لدى الأهالي والمراقبين. بدأها وزير الإعلام حمزة مصطفى، وأعقبتها زيارة بالغة الرمزية من الرئيس أحمد الشرع، ثم توالت زيارات كل من وزير المالية محمد برنية ونائب وزير الاقتصاد والصناعة باسل عبد الحنان.
تحمل هذه الزيارات دلالات سياسية وتنموية، وأثارت تساؤلات واسعة عمّا إذا كانت تمثل تحوّلًا فعليًا في طبيعة العلاقة بين المركز والمحافظة، أم أنها خطوات بروتوكولية مؤقتة لا أكثر.
زيارة الرئيس الشرع: وعود وخطوات عملية
جاءت زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى درعا أول أيام عيد الأضحى، برفقة وزير الداخلية وعدد من المسؤولين الأمنيين والإداريين، وشملت لقاءات واسعة مع محافظ درعا السيد أنور الزعبي ووجهاء المحافظة وممثلين عن الطوائف الدينية.
وفي تصريح خاص لمنصة سوريا 24، قال المحافظ أنور الزعبي: «نُعبر عن تقديرنا للزيارة التي قام بها الرئيس أحمد الشرع، وما تم الإعلان عنه من خطوات جادة ووعود ملموسة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، من خلال دعم المشاريع التنموية وتحسين الخدمات وفتح آفاق جديدة للتنمية المستدامة.»
وأضاف المحافظ أن الزيارة عززت ما بدأه المسؤولون الآخرون من تحركات سابقة، حيث جرى على إثر ذلك تشكيل لجان فنية وإدارية منبثقة من مجلس المحافظة لمتابعة المشاريع التي وُعد بها، وأبرزها إنشاء مدينة صناعية جديدة، والتحضير لعقد مؤتمر استثماري موسع، إلى جانب إعادة تأهيل مؤسسات خدمية هامة.
زيارات وزارية متتابعة ومضامين مختلفة
استهدفت زيارات الوزراء مديريات ومؤسسات رسمية مختلفة، وركّزت على ملفات الإعلام، الصناعة، والاستثمار.
الإعلام: هيكلة ودعم تدريبي
في زيارته لدرعا، شدد وزير الإعلام حمزة مصطفى على أهمية دعم الإعلام المحلي. وفي هذا السياق، صرّح مدير العلاقات الإعلامية أحمد المسلم لمنصة سوريا 24: «نعمل حاليًا على إتمام هيكلة مديرية الإعلام ورفدها بكوادر مؤهلة وبناء شراكات مع مؤسسات محلية وعربية، بالرغم من ضعف التمويل.»
«ننسّق مع الوزارة وعدد من منظمات المجتمع المدني لتنظيم دورات تدريبية قريبة تهدف إلى رفع كفاءة الإعلاميين، لكن لا توجد حتى الآن خطة لإنشاء مراكز إعلامية جديدة أو تقديم دعم تقني مباشر.»
«استحداث مديريات الإعلام بالمحافظات يدل على توجه مركزي لدى وزارة الإعلام نحو تعزيز الحضور الإعلامي المحلي ضمن بنية مؤسساتية رسمية.»
الصناعة: مدينة جديدة وفرص استثمارية
في إطار زيارة نائب وزير الاقتصاد والصناعة باسل عبد الحنان، تم بحث مشروع مدينة صناعية جديدة في منطقة النجيح، وهو مشروع واعد يجذب الاهتمام المحلي والإقليمي. وأوضح المهندس عماد الرفاعي، مدير الصناعة والاقتصاد في المحافظة، لمنصة سوريا 24: «مشروع المدينة الصناعية الجديدة في منطقة النجيح لا يزال قيد الدراسة من حيث الإطار الزمني وتاريخ بدء التنفيذ، وفقًا لتوجيهات وزارة الاقتصاد.»
«المدينة الصناعية الحالية في مدينة درعا ستبقى قائمة ولن تتأثر بالمشروع الجديد، الذي تم اختياره بسبب قربه من أملاك الدولة ومصادر المياه ومعبر نصيب الحدودي وسكة حديد الحجاز، ما يمنحه ميزة استراتيجية على المستويين التجاري واللوجستي.»
«سيتم تنفيذ المشروع بنظام BOT من خلال شراكة بين الدولة والقطاع الخاص، ما يفتح الباب أمام المستثمرين السوريين والأجانب لدخول هذا القطاع الحيوي.»
«المدينة الجديدة لا ترتبط مباشرة بالمؤتمر الاستثماري المنتظر، لكنها مبادرة موازية ضمن التوجه العام نحو تنشيط الاقتصاد المحلي.»
صوت من المجتمع المحلي: معيار النجاح هو التنفيذ
لا تقف أهمية هذه الزيارات عند الرسميين فقط، إذ كان لرأي المجتمع المحلي حضوره. وفي تصريح لمنصة سوريا 24، أشار المحامي والناشط الحقوقي خالد المسالمة إلى أهمية ملامسة آثار هذه الخطوات على حياة المواطنين، قائلاً: «أي إجراء حكومي يُنفذ بالطريقة الصحيحة ويؤدي إلى تحسين معيشة الناس لا بد أن يلمسه المواطن مباشرة على الأرض، وهذا هو المعيار الحقيقي لنجاح أي مبادرة.»
«ما تزال هناك فجوة قائمة بين الحاكم والمحكوم بسبب غياب منصات الحوار والتواصل المباشر، ما يستدعي تكثيف الخطاب الرسمي الموجه للناس وشرح الخطط والإنجازات بشكل شفاف وواضح.»
«الأمر يتطلب وقتًا وصبرًا وتضافر جهود الجميع، لكن من المهم تنظيم المجتمع وتفعيل قواه الحيّة، مقابل دور حكومي فاعل لمكافحة الفساد وتعزيز الكفاءة واحترام الحريات.»
على الرغم من تفاؤل بعض المسؤولين واعتبار الزيارات مؤشراً على تحوُّل إيجابي واهتمام متجدد بالمحافظة، تبقى الأنظار شاخصة إلى مدى ترجمة هذه الوعود إلى خطوات عملية على الأرض.
فهل تشكل هذه الزيارات بداية مسار مستدام من التعاون بين دمشق ودرعا؟ أم أنها مجرد تحركات بروتوكولية ضمن سياق سياسي عابر؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بكشف الإجابة.