في كل صباح، يبدأ العشرات من طلاب ريف دير الزور الشرقي يومهم برحلة محفوفة بالمخاطر، يعبرون خلالها نهر الفرات على متن قوارب صغيرة لا تفي بأبسط شروط السلامة، وذلك للوصول إلى مدارسهم أو جامعاتهم الواقعة ضمن مناطق سيطرة الحكومة السورية على الضفة الغربية من النهر.
هذا المشهد بات اعتياديًا في بلد أنهكته الحرب، لكنه يعكس حجم المأساة التي يعيشها هؤلاء الطلبة الذين لم يجدوا في الظروف السياسية أو الجغرافية مبررًا للتخلي عن حقهم في التعليم.
“نخرج من بيوتنا ولا نعلم إن كنا سنعود سالمين”، بهذه الكلمات لخص الطالب الجامعي عبد الرحمن الطه (اسم مستعار) تجربته اليومية في التنقل بين الضفتين، يدرس عبد الرحمن في كلية العلوم بدير الزور، ويضطر يوميًا لركوب طوافة خشبية يعمل عليها شابان من أبناء المنطقة مقابل أجر.
ويضيف في حديثه لموقع “سوريا 24“: “مرّات كثيرة نُجبر على العودة بسبب الرياح أو بسبب دوريات مفاجئة توقف حركة العبارات، وفي إحدى المرات كدنا ننقلب في وسط النهر بعد تسرب المياه إلى القارب”.
لا تقتصر المعاناة على المخاطر، بل تمتد إلى الجانب الاقتصادي، إذ يقول خالد الحسين، والد طالبتين في الثانوية: “أدفع يوميًا أكثر من 50 ألف ليرة فقط لينتقلا إلى المدرسة، وأحيانًا يضطران للغياب لأني لا أملك المبلغ الكافي، أصبحت أُفكّر جديًا في أن أزوجهما وأُنهي هذه المعاناة”.
وبحسب شهادات الأهالي، تتراوح كلفة العبور بين 10 إلى 20 ألف ليرة للشخص الواحد، في كل اتجاه، وسط غياب أي دعم أو تنظيم رسمي لوسائل النقل.
منذ تدمير معظم الجسور التي تربط ضفتي النهر خلال العمليات العسكرية في السنوات الماضية، تحولت وسائل النقل النهرية إلى الخيار الوحيد، لكنها تفتقر إلى التنظيم أو الرقابة، ولا توجد أي مبادرات حقيقية لتأمين بدائل أكثر أمانًا، سوى بعض المحاولات الفردية التي غالبًا ما تُقابل بالمنع أو التقييد من قبل الجهات المسيطرة على الضفتين.
ميساء العبيد (اسم مستعار)، مديرة مدرسة في بلدة المريعية، تقول لموقع “سوريا 24“: “نستقبل يوميًا طلابًا قادمين من شرق النهر، بعضهم يصل متأخرًا أو مبتلًّا بالماء، والبعض الآخر لا يصل إطلاقًا، الوضع خطر جدًا، ونحن نخشى أن نفقد أحدهم في أي لحظة”.
وتضيف: أن “وزارة التربية مطالبة بالتنسيق مع الجهات المعنية لإنشاء معابر تعليمية مؤقتة أو دعم خطوط نقل نهرية رسمية، فهؤلاء الطلاب ليسوا طرفًا في النزاع، وهم مستقبل البلاد”.
تشير مصادر محلية إلى أن العديد من طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية اضطروا للتخلي عن عامهم الدراسي بسبب المخاوف الأمنية أو الضغوط الاقتصادية، فيما تحولت الجامعات إلى حلم بعيد المنال لكثيرين في ظل هذه الظروف.
ورغم المحاولات الفردية التي يبذلها الأهالي والمعلمون لتخفيف آثار هذه المعاناة، إلا أن الأزمة لا تزال بلا حل، وبينما تتسارع وتيرة التحضيرات للعام الدراسي القادم، يبقى مصير المئات من الطلاب معلّقًا بين ضفتي نهر تحوّل إلى حاجز مائي بين الطموح والمجهول.