تباينت ردود الفعل والنقاشات مؤخرًا حول وجود مخطط لتنظيم داعش لشن هجوم عسكري واسع النطاق، يستهدف من خلاله أماكن عبادة سواء للطائفة المسيحية أو غيرها، انطلاقًا من البادية السورية.
استهداف أماكن العبادة لإحراج الحكومة
وحسب ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصدر أمني، فإن التنظيم يسعى إلى استهداف أماكن العبادة والمقامات الدينية التي يتبع بعضها للمسيحيين والعلويين والإسماعيليين وغيرهم، في خطوة تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وإحداث حالة من البلبلة في صفوف المواطنين، فضلًا عن إحراج الحكومة السورية الجديدة التي تتولى إدارة البلاد بعد سقوط النظام السابق.
وأكد قائد في الجيش السوري لقناة “الحدث” أن المؤسسة العسكرية لديها معلومات مؤكدة حول تحضيرات التنظيم لتنفيذ عمليات متزامنة تستهدف مواقع متعددة في المدن الرئيسية، مع التركيز على حمص باعتبارها بوابة الوسط السوري.
وأضاف أن “المعلومات تشير إلى أن التنظيم يعتمد استراتيجية جديدة تقوم على التغلغل من المناطق الصحراوية والبادية نحو المناطق الحضرية، مستغلًا الثغرات الأمنية والانقسامات المجتمعية”.
دوريات وتشديد إجراءات الحماية
من جانبه، أكد محمود سليمان، ناشط مدني من سكان مدينة حمص، في حديث لمنصة “سوريا 24”، أن هناك انتشارًا مكثفًا للدوريات الأمنية في الأحياء العامة وقرب الأماكن المقدسة، بهدف تأمين المواطنين ومنع أي اختراق أمني محتمل.
وأشار إلى أن المدينة تُعد هدفًا مباشرًا بسبب تنوعها الديني والطائفي، مما يجعلها بيئة خصبة لمحاولات التفرقة وزعزعة الاستقرار.
وتابع: “لا يمكن حصر هذه المحاولات على حمص فقط، لكنها أكثر عرضة لها، لأن التنظيم يحاول دائمًا استهداف المناطق متعددة الطوائف لإرسال رسائل طائفية واضحة، والتأثير على التماسك المجتمعي”.
وشدد على أهمية تعزيز الإجراءات الأمنية حول المواقع الدينية الحساسة، وتكثيف الرقابة على الطرق الرابطة بين البادية والمراكز الحضرية، خاصة في ظل تصاعد الحديث عن تحركات لخلايا نائمة مرتبطة بالتنظيم.
ضعف تنظيمي يمنع داعش من العمليات الكبيرة
رغم التحذيرات المتكررة، قال مصدر أمني من محافظة حمص (فضل عدم ذكر اسمه) في حديث لمنصة “سوريا 24”، إن تنظيم داعش يمر بمرحلة ضعف واضح على الصعيدين العسكري والتنظيمي، ولا يمتلك البنية اللوجستية أو البشرية اللازمة لتنفيذ عمليات واسعة أو السيطرة على مناطق كبيرة كما كان الحال قبل سنوات.
وأضاف: “لا شك أن هناك خلايا نائمة منتشرة في عدد من المناطق، لكن الحديث عن قدرة التنظيم على شن هجمات منظمة والسيطرة على أحياء في المدن الكبرى يفتقر إلى الواقع الميداني. في الوقت الحالي، يكتفي التنظيم بالعمليات الفردية والتفجيرات الانتحارية، وهو غير قادر على خوض معارك شاملة”.
وأشار إلى أن كثيرًا من الأخبار التي تتحدث عن تحركات واسعة للتنظيم لا تستند إلى مصادر رسمية أو معلومات مؤكدة، بل تبدو جزءًا من حملات نفسية تهدف إلى زعزعة الثقة في أجهزة الدولة الأمنية.
داعش يركّز على زعزعة الدولة الجديدة
من جهته، لفت الباحث رشيد حوراني في حديث لمنصة “سوريا 24”، إلى أن التنظيم لم يعد يركز فقط على محافظة إدلب، بل بات يوجه نظره نحو زعزعة استقرار الدولة السورية الجديدة.
وأوضح حوراني أن التنظيم يعتمد على العوامل الاجتماعية والجغرافية في تنفيذ مخططاته، مضيفًا أن التنوع المجتمعي الكبير في سوريا يمثل هدفًا استراتيجيًا له، خاصة بعد أن أصبحت السلطة الجديدة مسؤولة عن حماية هذا التنوع.
وقال: “داعش يحاول إيصال رسالة للغرب مفادها أن الدولة الجديدة ليست قادرة على حماية الأقليات، وأنها دولة جهادية لا يمكنها التعايش مع التنوع الديني الموجود”.
وأشار إلى أن التنظيم يستغل المنطقة الجغرافية الواسعة الممتدة من شرق حمص وحتى الحدود السورية-العراقية، والتي تضم تضاريس متنوعة تساعده على الاختباء وشن الهجمات، مؤكدًا أن التعاون بين الجانبين السوري والعراقي يمثل عاملًا مهمًا في تقليص حركة التنظيم وقطع طرق الإمداد بين خلاياه.
تحديات البادية ومعركة الخلايا النائمة
وترتفع حدة التحديات الأمنية في البادية السورية، التي تُعد معقلًا تاريخيًا لخلايا التنظيم النائمة، حيث يصعب ملاحقة جميع عناصر التنظيم، نظرًا لاتساع المساحة وقلة البنية التحتية.
وتتزامن هذه التطورات مع تصاعد التوترات في دمشق بعد الهجمات الأخيرة التي شهدتها العاصمة، واستهداف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة، ما أدى إلى حالة من القلق لدى الشارع السوري، ودفع بالسلطات إلى إعادة النظر في خطة التأمين الوطني وتكثيف التنسيق بين الجهات الأمنية المختلفة.
تحذيرات أمنية ودعوات للانتباه
وفي ظل هذه المعطيات، تبقى حمص في دائرة الضوء من حيث احتمالية استهدافها من قبل تنظيم داعش، سواء عبر الهجمات المباشرة أو التفجيرات الانتحارية أو حتى العمليات النفسية.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الدولة الجديدة إلى استعادة زمام الأمور وفرض الأمن، يبدو أن التنظيم سيواصل محاولاته لإحداث خرق أمني كبير، إلا أن التعزيزات المستمرة والتعاون الإقليمي والدولي يضعان حدودًا واضحة لقدرات التنظيم الحالية.