رغم القرار الأخير الصادر عن وزارة الداخلية السورية، القاضي بتخفيض رسوم استصدار جوازات السفر للمواطنين داخل البلاد وخارجها، فإن الغالبية العظمى من السوريين ما يزالون يعتبرون هذه الرسوم مرتفعة وغير متناسبة مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها.
وأصدرت وزارة الداخلية، في 26 حزيران/يونيو 2025، قرارًا قضى بخفض رسم الجواز الفوري للمواطنين السوريين ومن في حكمهم، المتواجدين خارج سوريا أو بيد أحد ذويهم حتى الدرجة الرابعة أو وكلائهم القانونيين داخل البلاد، من 800 إلى 400 دولار أمريكي، فيما خُفِّض رسم الجواز بنظام الدور من 300 إلى 200 دولار.
أما داخل سوريا، فقد تم تخفيض الجواز الفوري ليصبح مليونًا وستمائة ألف ليرة سورية بدلًا من مليوني ليرة.
وأكد القرار أن هذه الرسوم المُخفّضة لا تخضع لأي رسوم إضافية أخرى، بما فيها رسوم الإدارة المحلية، كما أُعفيت من رسم التسجيل القنصلي لدى البعثات السورية في الخارج لمن لم يكن مسجلًا.
التخفيض خطوة هامة لكنها غير كافية
وتعليقًا على القرار، أكدت الناشطة السياسية أسماء رزوق أن التخفيض يُعد “خطوة في الاتجاه الصحيح”، لكنه لا يُغير الواقع المرير الذي يعيشه المواطن السوري.
وقالت رزوق في حديث لمنصة “سوريا ٢٤”: “برأيي، التخفيض خطوة هامة جدًا.. لكنها غير كافية، وما زالت مجحفة. لا تزال رسوم التكلفة مرتفعة بالنسبة للمواطن السوري، ولو تم قياس الأمر بمحدودية الجواز السوري مقارنة بالجوازات في دول العالم وسعر رسومها، لكان السعر خياليًا وغير منطقي”.
وأضافت: “الجواز السوري لا يمنح صاحبه حرية التنقل ولا يتمتع بقوة عالمية مثل الجوازات الأخرى، ومع ذلك فإن الرسوم تبقى عالية بشكل غير مفهوم”، مشددة على ضرورة إعادة النظر في أسعار الجوازات لتتماشى مع القدرة الشرائية للمواطن السوري.
وكأن من هو خارج سوريا يقيم في فنادق خمس نجوم
في سياق متصل، أعرب الناشط الحقوقي محمد عيد عن استيائه من استمرار ارتفاع الرسوم، معتبرًا أن هناك ظلمًا كبيرًا في التعامل مع المواطنين السوريين في الخارج والداخل على حد سواء.
وقال عيد في حديث لمنصة “سوريا ٢٤”: “هناك ظلم كبير فيما يخص رسوم جوازات السفر سواء لمن هم داخل سوريا أو خارجها، وكأن من يقطن خارج سوريا يعيش في فنادق خمس نجوم”.
وأوضح أن “هناك عقبة كبيرة أمام أي عائلة سورية، سواء كانت تقيم في تركيا أو أي مكان آخر، فليس هناك من يقدر على استخراج جواز السفر له ولأسرته على حساب المصاريف الحياتية والمعيشية اليومية”.
وأكد أن “الأمر ليس بالسهل، ناهيك عن موضوع التعليم ومصاريفه وغيرها من الأعباء الإضافية التي تمنع المواطن السوري من مجرد التفكير باستخراج جواز سفر له ولأسرته بهذه الرسوم التي ما تزال مرتفعة”.
ودعا الجهات المعنية إلى إعادة التقييم ودراسة معمّقة من أجل استصدار جوازات السفر برسوم تتناسب مع قدرة السوريين على دفعها، معتبرًا أن الدولة عليها دور أكبر في تسهيل أمور مواطنيها في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشونها.
على الدولة إعادة الحسابات
أما الباحث في القانون الدولي، مجد عيون السود، فرأى أن ملف جوازات السفر ما زال يعكس سياسات النظام السابق، التي كانت تتعامل مع الجواز كتجارة رابحة أكثر مما هو حق للمواطن.
وقال عيون السود في حديث لمنصة “سوريا ٢٤”: “يُعتبر جواز السفر مستندًا هامًا بيد أبناء وشباب الشعب السوري، ولعلّه من أكثر الملفات التي استفاد منها النظام البائد واعتبرها تجارة رابحة”.
وأضاف: “قرار 26 يونيو 2025 يُعد مريحًا نفسيًا لأبناء الشعب السوري، ويحمل رسالة واضحة من الدولة بنية التخفيف عن المواطنين السوريين في الداخل والخارج، وعدم إرهاقهم بالرسوم المالية الموضوعة من النظام السابق”.
لكنه أكد أن “القرار لا يزال بعيدًا عن الواقع الاقتصادي للشعب السوري”، وقال: “بعد إصدار هذا القرار، ما تزال رسوم استحصال الجوازات مرتفعة مقارنةً برسوم باقي البلدان العربية، وما زال الرأي الأغلب من المواطنين السوريين لا يجدون هذه الرسوم مناسبة أو منطقية”.
وتابع: “رسم الجواز الفوري يتطلب تسديد مبلغ 400 دولار أمريكي، أي ما يعادل 4 ملايين ليرة سورية، وحتى على الصعيد الداخلي الرسم مليون وستمائة ألف ليرة، وهو ما يعادل راتب موظف لمدة أربعة أشهر تقريبًا”.
وأردف عيون السود: “أبناء الشعب السوري يترقبون الخدمات من الدولة التي تتوازن مع دخلهم. ومن وجهة نظري، على الدولة قبل إصدار أي قرار أن تنظر إلى دخل المواطن السوري الذي هي أعلم به، وإلى الضغوطات التي يعاني منها المواطن السوري في الخارج، وتبعًا لذلك يصدر القرار”.
واختتم حديثه قائلًا: “لا حرج بأن نقول لتكون رسوم استصدار جوازاتنا مثل باقي البلدان العربية، والتي تتراوح بين 100 إلى 150 دولارًا، ونطمح لأن تكون أقل.
بل نتطلع إلى خدمات جوازات مجانية من دولتنا، فنحن على ثقة كبيرة بقيادتنا ورغبتها الحقيقية بالتخفيف عن المواطن السوري أينما كان”.
هل تستطيع الدولة إحداث التوازن؟
رغم التوجه الحكومي نحو تخفيض بعض الرسوم وتقديم بعض التسهيلات، إلا أن القرار الأخير بشأن جوازات السفر يُظهر بوضوح الفجوة الكبيرة بين ما تقدمه الدولة وما يحتاجه المواطن السوري، خاصة في ظل انهيار الاقتصاد، وتدهور العملة المحلية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
فالجواز ليس فقط وثيقة رسمية، بل هو مفتاح الحركة والسفر والعودة، وحق طبيعي يجب أن يكون في متناول الجميع. لكن في سوريا، يبدو أن هذا الحق ما زال مقتصرًا على من يملك القدرة المالية، وليس على من يستحقه بحكم المواطنة.
ويظل السؤال قائمًا: هل ستتمكن الحكومة الجديدة من إعادة ترتيب الأولويات، وتوفير خدمات أساسية تتناسب مع الوضع المعيشي المتدني للمواطنين؟ أم أن التخفيضات ستظل رمزية، والوعود ستبقى بعيدة عن الواقع؟