“وجهتكم إلى داريا”… زيارة المغتربين السوريين لمدينة الذاكرة والثورة

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص – سوريا 24

في مشهد استثنائي حمل وجع الذاكرة وأمل العودة، رافق عدد من النشطاء الإعلاميين مجموعة من العائلات السورية المغتربة خلال زيارتها الأولى إلى مدينة داريا بريف دمشق، في رحلة مختلفة عن أي تجربة سياحية تقليدية. لم تكن وجهتهم مطعمًا أو معلمًا سياحيًا، بل أرضًا كانت شاهدة على واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبها النظام السوري، ومسرحًا لصمودٍ تاريخي طُبع في ذاكرة السوريين.

بدأت الجولة من موقع مجزرة داريا الكبرى، حيث المقابر الجماعية لضحايا المدينة، في محاولة لاستعادة الحكاية من قلب الألم. أماكن كانت محظورة حتى على ذوي الشهداء والمفقودين لسنوات، أصبحت اليوم محطّة للذاكرة المفتوحة، يزورها السوريون الأحرار، لاسترجاع وقائع عاشها الناس تحت الحصار والقصف والتجويع، والتهجير القسري الذي أفرغ المدينة من سكانها، قبل أن يُسمح لبعضهم بالعودة التدريجية.

ذاكرة لا تموت

اعتبر القائمون على الزيارة أن توثيق ما جرى في داريا ليس ترفًا فكريًا، بل واجبًا أخلاقيًا وتاريخيًا لمنع تكرار الجرائم. وأكدوا أن زيارة المدن المدمّرة ليست وجعًا إضافيًا بقدر ما هي حق وواجب لكل سوري مغترب أو ناجٍ أو شاهد على الحقيقة، ليظل صوت الضحايا حاضرًا في الوعي الجمعي.

وفي حديث خاص لـ”سوريا 24“، قال ياسر جمال الدين، منسق الفعالية ومدير المكتب الإعلامي في داريا: “هذه الزيارة لم تكن مجرد وقوف على أطلال، بل كانت بمثابة فعل مقاومة في وجه النسيان. حين يسير أبناؤنا بين القبور والبيوت المهدّمة، فإنهم لا يرون الخراب فقط، بل يسمعون صوت من غابوا، ويقرأون تاريخًا حاول البعض طمسه. كان لافتًا أن الأطفال أنفسهم طرحوا أسئلة مؤلمة وبريئة في آنٍ معًا، عن معنى القصف، والاعتقال، والغياب… وهذا بحد ذاته بداية الوعي”.

وأضاف جمال الدين: “داريا اليوم ليست مجرد ذاكرة للثورة، بل مختبر إنساني لإعادة بناء المعنى، ولا يمكن لأي مصالحة شكلية أو سردية رسمية أن تطمس ما حدث. لذلك، فإننا نعتبر أن سياحة الذاكرة هذه جزء من معركة الحقيقة، وهي خطوة ضرورية لإبقاء القضية حيّة، لا سيما في وجدان الجيل الجديد من أبناء المغتربين”.

بين الماضي والحاضر

لم تخلُ الزيارة من لحظات إنسانية مؤثرة، حيث قام الأهالي بتلاوة الفاتحة على أرواح الشهداء، ووقفوا بصمت أمام البيوت المهدّمة، يتأملون شواهد بقيت صامتة لسنوات، لكن رسائلها لم تتوقف عن الصراخ.

داريا، التي لطالما ارتبط اسمها بالكتب والورود والمقاومة المدنية، بدت اليوم، رغم كل الخراب، نقطة التقاء للذاكرة والكرامة، ورسالة إلى السوريين في كل مكان أن العودة إلى الجذور ليست انكسارًا، بل تأكيد على أن ما جرى لا يُنسى، ولا يُغتفر.

مقالات ذات صلة