في تطور غير مسبوق، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مساء اليوم الإثنين، أمرًا تنفيذيًا أنهى بموجبه الإطار القانوني للعقوبات الأميركية المفروضة على سوريا. واعتُبر القرار تحوّلًا جذريًا في السياسة الأميركية تجاه دمشق، خاصة بعد أن أصبحت العقوبات – التي فُرضت في الأصل لمعاقبة النظام السوري السابق – عائقًا أمام جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار بعد الحرب.
من إعلان النية إلى التنفيذ
يأتي هذا القرار تتويجًا لإشارات سابقة أطلقها ترمب في 13 أيار الماضي، حين أعلن عزمه رفع جميع العقوبات الأميركية على سوريا، عقب لقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع. وقد مثّل هذا اللقاء، الذي جمع رئيسين، مقدمة لهذا التحول الكبير.
رؤية ترمب: فرصة للنجاح ضمن حدود المصالح الأميركية
أكد البيت الأبيض أن الرئيس ترمب ملتزم بدعم سوريا مستقرة وموحّدة، تعيش في سلام مع نفسها وجيرانها، مع الحفاظ على المصالح الأميركية الأساسية. وأوضح البيان أن الإدارة الأميركية تسعى إلى إعادة الانخراط مع دمشق بشكل بنّاء، مع الاستمرار في حماية الولايات المتحدة من جميع التهديدات ومراقبة التقدم في الأولويات التالية:
* اتخاذ خطوات ملموسة نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
* معالجة قضايا الإرهابيين الأجانب وترحيل الإرهابيين الفلسطينيين.
* حظر الجماعات الفلسطينية المصنفة إرهابية.
* دعم جهود منع عودة تنظيم داعش، ومحاسبة الجهات المسؤولة عن مراكز احتجاز داعش في شمال شرق سوريا.
وأشار البيان إلى أن العقوبات الأميركية فُرضت ردًا على الأعمال الوحشية التي ارتكبها نظام الأسد ضد شعبه ودعمه للإرهاب في المنطقة. مع ذلك، فإن التغييرات الإيجابية والإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية مؤخرًا توحي ببوادر مستقبل مستقر وسلمي.
ورأى البيان أن رفع العقوبات سيدعم جهود إعادة الإعمار ومكافحة الإرهاب في سوريا، دون تمكين الجهات الضارة، مؤكدًا أن سوريا الموحّدة التي تحمي شعبها وترفض التطرف ستُعزّز الأمن والازدهار في الشرق الأوسط.
ترحيب سوري رسمي بالخطوة الأميركية
في دمشق، أعرب وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، عن ترحيب بلاده بهذا التطور، واصفًا إياه بقرار تاريخي من شأنه أن يفتح صفحة جديدة في علاقات سوريا الدولية. وقال الشيباني في تصريح له عبر منصة “X” إن إلغاء الجزء الأكبر من برنامج العقوبات يمثل نقطة تحول مهمة من شأنها أن تسهم في دفع سوريا نحو مرحلة جديدة من الازدهار والاستقرار والانفتاح على المجتمع الدولي.
وأضاف أن إزالة هذا العائق الكبير أمام التعافي الاقتصادي يفتح أبواب إعادة الإعمار والتنمية التي طال انتظارها، ويسهم في تأهيل البُنى التحتية الحيوية، كما يوفر الظروف اللازمة لعودة آمنة وكريمة للمهجّرين السوريين إلى وطنهم.
بنود القرار التنفيذي
الأمر التنفيذي، الذي يدخل حيّز التنفيذ اعتبارًا من الثلاثاء 1 تموز، يُلغي إعلان حالة الطوارئ الوطنية بشأن سوريا الصادر عام 2004، إضافة إلى خمسة أوامر تنفيذية أخرى كانت تُشكّل الأساس القانوني للعقوبات الأميركية. كما يُوجّه القرار الوكالات الفيدرالية المختصة لاتخاذ إجراءات بشأن الإعفاءات، وضوابط التصدير، والقيود الأخرى المتعلقة بسوريا، ما يُهيّئ البيئة القانونية لعودة التبادل التجاري والمساعدات الإنسانية.
حدود الإلغاء
رغم أن القرار يُنهي معظم عناصر برنامج العقوبات، إلا أن العقوبات المفروضة على رئيس النظام السابق بشار الأسد وعدد من المقربين منه، وكذلك أولئك المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان أو الأنشطة الإرهابية أو تهريب الكبتاغون، ستبقى سارية.
كذلك، لم يشمل القرار تغيير تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، وهو التصنيف الذي يعود إلى عام 1979 ويترتب عليه قيود إضافية على المساعدات وتصدير الأسلحة. وأوضح أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية أن هذا التصنيف ما زال قيد المراجعة.
دوافع القرار ومواقف رسمية
أشارت مصادر في الإدارة الأميركية إلى أن الحكومة السورية أحرزت تقدّمًا ملموسًا نحو تعزيز الاستقرار الداخلي، وأن هناك مصالح مشتركة بين واشنطن ودمشق في مواجهة تنظيم داعش والتهديدات الإرهابية الأخرى، بما في ذلك الوكلاء الإقليميون لإيران.
ويشمل القرار أيضًا توجيهًا لوزارة الخارجية الأميركية بإعادة النظر في تصنيف هيئة تحرير الشام، في ضوء التغيرات التي طرأت على المشهد السوري خلال الفترة الأخيرة.