“عدتُ لكن بيتي لم يعد”.. المليحة ذاكرة حوّلها الأسد إلى ركام

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

على عتبة منزل بلا أبواب ولا نوافذ، يجلس خالد عكاشة، يحدّق في جدران متصدعة تحتفظ برائحة الحرب. بعد سنوات من التهجير القسري، عاد خالد إلى بلدته المليحة في ريف دمشق، لكنه لم يجد شيئًا يشبه الذاكرة. “كل شيء هنا تغيّر… حتى البيوت فقدت ملامحها”، يقول وهو يشير إلى جدار محطّم كان يفصل مطبخ بيته عن غرفة الجلوس.

المليحة.. وسنوات الثورة

تقع بلدة المليحة في ريف دمشق الجنوبي الشرقي، وتُعد من أبرز بلدات الغوطة الشرقية، إذ تبعد نحو عشرة كيلومترات فقط عن قلب العاصمة. تاريخيًا، ارتبطت بهوية زراعية متجذّرة، وكان سكانها يعتاشون من الزيتون والخضراوات. لكن مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، لم تتأخر المليحة عن المشاركة؛ فخرجت فيها مظاهرات شعبية سرعان ما قُمعت بالقوة.

مع تصاعد الصراع، تحوّلت البلدة إلى خط تماس مباشر بين النظام السوري وفصائل المعارضة، أبرزها “جيش الإسلام” و”أحرار الشام”. ومنذ عام 2012، أصبحت ساحة مفتوحة للمعارك اليومية، وقصف الطيران والمدفعية لم يتوقف. وفي صيف 2014، أطلق النظام حملة عسكرية عنيفة للسيطرة عليها، استمرت أربعة أشهر وانتهت في آب/ أغسطس بتوغّل القوات الحكومية إلى جانب ميليشيات عراقية طائفية، من أبرزها “أسد الله الغالب”، بعد دمار كبير وتهجير جماعي إلى قرى وبلدات الغوطة الشرقية.
لاحقًا، تحوّلت المليحة إلى منطقة أمنية مغلقة، سيطرت عليها الفرقة الرابعة والميليشيات الموالية، وسط غياب شبه تام للسكان، فيما هُجّر سكان البلدة الذين نزحوا داخليًا إلى الشمال السوري، إلى جانب أهالي الغوطة والبالغ عددهم نحو 110 آلاف شخص في أواخر عام 2018. ورغم أن بعض العائلات عادت منذ 2019، فإن البلدة ما زالت أسيرة الدمار وضعف الخدمات.

الفرقة الرابعة.. عفّشت كامل البلدة

“أكثر من نصف البيوت تعرضت للنهب، ولا تزال الجدران مهدّمة. كل بيت بحاجة لما لا يقل عن عشرة آلاف دولار ليصير قابلًا للسكن”، يقول خالد، ويضيف: “رجعت، بس ساكن عند أقارب. ما قدرت أبلّش بأي ترميم. الحياة غالية، والإيجارات وصلت لمليون ونص!”.

التحديات التي تواجه عودة السكان

في ظل هذا الواقع، يبدو أن الأعباء تتجاوز قدرات العائلات العائدة بمفردها، ما يفرض على المجالس المحلية تحديات يومية لتوفير الحد الأدنى من الخدمات.

وفي هذا السياق، تحدث رئيس المجلس المحلي نادر دغمش لمنصة “سوريا 24″، موضحًا أبرز الصعوبات التي تواجه البلدة بعد سنوات من التهميش والدمار.

قال دغمش إن البلدة، رغم الجهود المبذولة، ما تزال تواجه تحديات خدمية كبيرة، خصوصًا مع تزايد العائدين من مناطق الشمال السوري ودول المهجر.

وأوضح أن المجلس بدأ، منذ “تحرير البلدة” في 12 أيار 2018، بخطوات إسعافية شملت معالجة النقص الحاد في الآليات، ومشاكل الكهرباء والمياه. وقد تم بالفعل شراء رافعة، وعدد من سيارات الخدمة، وصهاريج لتعزيل ونقل النفايات، بالإضافة إلى جرارين زراعيين لدعم العمل البلدي.

فيما يخص الكهرباء، أشار دغمش إلى أن وضع الشبكة جيد من حيث الأعطال، إلا أن ساعات التغذية ما تزال غير كافية، خاصة مع ارتباطها المباشر بضخ المياه. وأكد أن جميع الآبار في البلدة موصولة إما بخطوط الكهرباء أو بالطاقة الشمسية، ولا يوجد بئر خارج الخدمة حاليًا.

ومع تزايد عدد العائدين، بدأت الجهات المعنية برفع عدد ساعات التغذية تدريجيًا، بهدف تمكين الأهالي من ترميم منازلهم، وإعادة الحياة تدريجيًا إلى الأحياء المدمّرة. أما العائلات التي دُمّرت منازلها بالكامل بفعل القصف، فقد اضطرت للجوء إلى مناطق قريبة ضمن مشاريع إسكان مؤقت بدعم من بعض المنظمات الإغاثية.

على صعيد النظافة، قال دغمش إن المجلس يعمل يوميًا على رش المبيدات، وتعقيم الطرقات، وتنظيف الحاويات، إلى جانب صيانة الحدائق وتشذيب النباتات، بعد تقسيم البلدة إلى ثلاث مناطق للنظافة الدورية. وقد تم استئجار عاملات من بلدات مجاورة لمساعدة فرق البلدية في تنظيف الشوارع والأزقة الضيقة.

وفي ختام حديثه، شدد رئيس المجلس المحلي على أهمية دور المجتمع المحلي والفعاليات الأهلية التي ساندت عمل المجلس خلال السنوات الماضية، مؤكدًا أن البلدة تسير بخطى ثابتة نحو الاستقرار، رغم ضعف الإمكانيات، وضرورة استمرار الدعم من الجهات المختصة والمنظمات الدولية.
ترميم الأمل

في المليحة، لا تزال جراح الحرب مفتوحة. يحاول العائدون، كخالد، ترميم الحجر والذاكرة في آنٍ واحد، وسط واقع معيشي واقتصادي قاسٍ. ينغّص عليهم فرحة سقوط النظام، لكن أملهم لا يموت في أن القادم أفضل.

مقالات ذات صلة