في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وارتفاع أسعار مواد البناء التقليدية بشكل غير مسبوق، يعود “حجر اللبن” إلى الواجهة في ريف دير الزور، ليشكّل خياراً واقعياً ومنقذاً لآلاف العائلات التي تسعى لإعادة ترميم منازلها المدمرة.
هذا الحجر، المصنوع يدوياً من الطين والتبن والماء والمجفف تحت أشعة الشمس، تحوّل إلى الملاذ الأخير لأهالي الريف العاجزين عن دفع تكاليف الإسمنت والحديد والطوب المصنع، والتي باتت خارج قدرة معظمهم الشرائية.
البناء حلم بالنسبة لكثيرين
محمد المحيمد، أحد سكان الريف، قال في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “حجر اللبن كان أساس البيوت في دير الزور منذ قرون، قبل دخول الإسمنت والحديد، كنا نبني بيوتنا من الأرض، بتناغم مع بيئتنا وتقاليدنا”.
وأضاف: “اليوم، وبعد أن أصبح البناء الحديث حلماً بعيداً، عاد الأهالي لهذا الحجر الترابي الذي أثبت فعاليته في الظروف القاسية”.
ومع تراجع القدرة الاقتصادية وغياب الدعم، لم يعد استخدام “حجر اللبن” مجرد خيار تراثي أو بديل مؤقت، بل أصبح ضرورة تمليها الظروف. البناء بهذه الطريقة لا يحتاج لآلات ثقيلة أو تقنيات معقدة، فقط أيدٍ عاملة تعرف أسرار التراب والتبن.
منازل أكثر انسجاماً مع البيئة
من جانبه، أوضح عيسى الحساني، أحد العاملين في مجال تصنيع وبناء “حجر اللبن”، أن ما يميّز هذا النوع من البناء، إلى جانب كلفته المنخفضة، هو خصائصه الحرارية.
وتابع في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “البيوت المصنوعة من اللبن توفّر عزلاً طبيعياً يحمي السكان من حر الصيف وبرودة الشتاء. إنها بيوت صحية، لا تحتاج إلى تكييف ولا تدفئة، وهي بذلك توفّر في استهلاك الطاقة”.
وبيّن الحساني أن هذه العودة إلى “اللبن” لا تعبّر فقط عن ضيق الحال، بل عن تمسّك الأهالي بتراثهم وهويتهم: “كل حجر لبن نحمله اليوم يحمل ذاكرة الأجداد، ونبنيه ليس فقط لتوفير مأوى، بل لنُثبت أننا قادرون على النهوض حتى بأبسط الموارد”.
بين الماضي والحاضر: بوصلة النجاة
ومع استمرار انهيار الواقع المعيشي وغياب الدعم الحكومي أو الدولي لمشاريع الإعمار الشعبية، يظهر “حجر اللبن” كخيار عملي يجمع بين الإرث القديم والحاجة المعاصرة.
ورغم بساطته، يعكس هذا الحجر قصة صمود، وشهادة على أن أبناء دير الزور لا يزالون متمسكين بجذورهم، وقادرين على تجاوز المحن بمواردهم الذاتية.