وضاح الحجلي يحفظ ذاكرة السويداء ويؤسس متحفاً

Facebook
WhatsApp
Telegram

وسط قرية المشقوق جنوب محافظة السويداء، يُولد الشغف أحيانًا في عمر السابعة ليصبح مشروعًا ثقافيًا متكاملًا، يحمل على عاتقه مسؤولية الحفاظ على الذاكرة الجماعية لجبل العرب. هذا تمامًا ما فعله الشاب وضاح الحجلي، 27 عامًا، الذي اختار أن يكون حارسًا للتراث، جامعًا لما تبقى من آثار وتفاصيل الحياة القديمة في الجنوب السوري.

سكن وضاح الحجلي مدينة السويداء، لكنه بقي متعلقًا بقريته التي شهدت البدايات الأولى لحلمه. منذ طفولته، أبدى اهتمامًا استثنائيًا بالتاريخ والجيولوجيا، وراح يجمع العظام القديمة والأحجار النادرة، قبل أن يبدأ باقتناء القطع الأثرية والعملات القديمة ورصاصات من مخلفات الاحتلال الفرنسي، محتفظًا بها في ركن صغير داخل منزل العائلة.

يقول وضاح: “كنت أجد متعة خاصة في لمس هذه الأشياء، وكأنها تنقلني لعصور بعيدة. شجعتني عائلتي رغم الصعوبات، واستمررت حتى صار لي متحف خاص يعرفه كثيرون داخل المحافظة وخارجها”.

اليوم، وبعد سنوات من الشغف والتعب، أصبح المتحف الذي أقامه وضاح في قريته يضم مئات القطع النادرة التي تؤرّخ لتاريخ المنطقة، بدءًا من أدوات الإنسان الحجري والصواني، مرورًا بالعصور النبطية والرومانية والإسلامية والعثمانية، وصولًا إلى مقتنيات الحياة الريفية في القرن الماضي.

تتنوع المعروضات بين وثائق عائلية عمرها يفوق المئة عام، ونقود قديمة تعود لمراحل تاريخية متعددة، ومعدات زراعية، ومفارك القمح القديمة، وأوانٍ جلدية تقليدية مثل “الشكوة” و”القربة” التي كانت تُستخدم لحفظ الماء والسمن، وأدوات صناعة السجاد العربي، وغيرها من القطع التي تُعيد زائر المتحف إلى عالم الأجداد.

لم يكتفِ وضاح بجمع القطع وعرضها، بل عمل على توثيقها علميًا. وقد تعاون مع عدد من الباحثين والمؤرخين، وكان من أبرز إنجازاته مؤخرًا توثيق عشرات النقوش النبطية والرومانية المكتشفة حديثًا، بعضها نادر وغير معروف سابقًا. كما تواصل مع خبراء آثار في فرنسا لترجمتها وتسجيلها ضمن الأبحاث العلمية.

يقول وضاح: “أعتبر هذا العمل واجبًا ثقافيًا، لا مجرد هواية. كثير من هذه النقوش كانت مهددة بالضياع أو الإهمال، لكنني شعرت بمسؤولية تجاهها، فأردت أن أوثقها وأعرّف الناس عليها”.

يستخدم وضاح صفحته الشخصية على فيسبوك كمنصة لنشر الصور والمعلومات التوثيقية التي يجمعها من جولاته في قرى الجبل. يوثق الآثار، ويجمع الروايات الشفهية، وينشر صورًا للطبيعة والحياة البرية، إيمانًا منه بأن الجمال والتاريخ يجب أن يُظهرا معًا.

ورغم ما حققه من إنجازات، يواجه وضاح تحديات كبيرة، أبرزها نقص التمويل والافتقار إلى المعدات اللازمة لحفظ وترميم القطع، إضافة إلى صعوبة شراء المقتنيات النادرة التي تمر بين الأيادي أو تُباع خارج المحافظة. ورغم تكرار التغطيات الإعلامية لجهوده، لم يتلقَّ حتى اليوم أي دعم رسمي أو غير رسمي.

يطمح وضاح إلى نقل متحفه من قرية المشقوق إلى مدينة السويداء، ليكون متاحًا للزوار والباحثين، وليتمكن من استثماره ماديًا بما يضمن استمراره وتطوره، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية.

ويختم وضاح حديثه برسالة واضحة: “آمل من الحكومة الجديدة أن تتعامل بجدية مع المتاحف الفردية، وأن تدعم أصحابها. نحن لا نحفظ قطعًا فقط، بل نحمي هوية وطنية وتاريخًا عريقًا من الاندثار”.

مقالات ذات صلة