بين دمشق وإدلب.. عائلات تبحث عن الاستقرار والعمل

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص – سوريا 24

لم يكن انتقال كثير من الأشخاص والموظفين من إدلب وشمال سوريا إلى العاصمة دمشق بهدف العمل قرارًا سهلًا، إذ اصطدم كثير منهم بتحديات معيشية ثقيلة، أبرزها أزمة السكن وغلاء الإيجارات، إلى جانب صعوبات التنقل بين مكان العمل والعائلة التي بقيت في الشمال، ما يعكس معاناة مضاعفة لم تُحسب بدقة عند قبول فرصة العمل.

شهاب عيسى، موظف من مدينة إدلب، حصل على وظيفة جديدة في دمشق منذ أشهر، وعلى الرغم من أهمية هذه الفرصة التي لطالما انتظرها، فإن فرحته سرعان ما اصطدمت بواقع قاسٍ يتمثل بارتفاع الإيجارات بشكل وصفه بـ”غير المنطقي”. يقول في حديثه لـ”سوريا 24“:

“أجرة المنزل في دمشق قد تقارب راتبي الشهري، وتُفرض علي شروط مجحفة كالدفع المسبق لأشهر طويلة أو دفع تأمينات مرتفعة وعمولة المكتب. هذا كله يجعل فكرة استقدام عائلتي للاستقرار معي شبه مستحيلة”.

ويضيف:”زوجتي وأطفالي ما يزالون في إدلب، وأنا أقضي أيامي في المكتب وأعود إليهم كل أسبوع، وهو أمر مرهق جدًا نفسيًا وماديًا. أطفالي يسألونني دائمًا: متى سننتقل لنعيش معًا؟ ولا أملك جوابًا واضحًا”.

تضاعفت أسعار الإيجارات في دمشق خلال الأشهر الأخيرة، لتبلغ مستويات غير مسبوقة، تزامنًا مع تزايد الطلب على المنازل من قبل الموظفين والعائلات القادمة من مناطق الشمال، وخاصة من أبناء المناطق المحررة الذين حصلوا على فرص عمل في منظمات محلية ودولية، أو في القطاعين الحكومي والخاص.

يبحث كثير من الموظفين، بحسب شهادات متقاطعة لـ”سوريا 24“، عن سكن في الضواحي والمناطق الريفية المحيطة بالعاصمة، حيث تكون الإيجارات أقل نسبيًا، إلا أن هذه الخطوة تفرض تحديات جديدة تتعلق بالمواصلات وبعد المسافة عن مكان العمل. “المنازل في ريف دمشق أقل تكلفة، لكن تكاليف المواصلات اليومية قد تعادل أو تزيد عن الفرق الذي سأوفره من الإيجار”، يقول أدهم محمد، موظف في إحدى منظمات المجتمع المدني، والذي انتقل مؤخرًا من الشمال السوري إلى دمشق للالتحاق بوظيفته الجديدة، مضيفًا أن بعد السكن عن مكان العمل يزيد من الإرهاق اليومي ويؤثر سلبًا على الأداء المهني والاستقرار الشخصي.

في قصة أخرى تعكس حجم هذه التحديات، تقول يمنى، وهي من إدلب حصلت على فرصة عمل في مجال البودكاست في دمشق، إن سعادتها بالحصول على فرصة تتناسب مع خبرتها المهنية لم تدم طويلًا. “أمضيت عدة أيام في فندق بدمشق أبحث عن منزل مناسب لعائلتي لكني لم أجد ما يناسب دخلي. الإيجارات مرتفعة بشكل لا يُحتمل، لذلك بدأت أعيد التفكير بقبول الوظيفة من أساسها”.

وتضيف:”الاستقرار العائلي شرط أساسي لأي عمل، وفي ظل هذه الظروف، أجد أن البقاء في إدلب رغم قلة الفرص أكثر واقعية من المغامرة بالانتقال دون ضمانات”.

تُظهر هذه الشهادات حجم المعاناة التي تواجهها العائلات التي ترغب في الانتقال من الشمال السوري إلى دمشق بحثًا عن عمل أو استقرار، فالحواجز لا تقتصر على فرص العمل، بل تتعداها إلى أزمة سكن خانقة، وغلاء فاحش في الإيجارات، وضعف في البنية التحتية للمواصلات، ما يجعل الاستقرار حلمًا بعيد المنال لكثير من الموظفين والعائلات.

وفي ظل غياب أي سياسات دعم أو تدخل حكومي في هذا الملف، تبقى العائلات السورية بين دمشق وإدلب عالقة في دوامة من الانتظار والقلق، تبحث عن استقرار مؤجل في بلد أنهكته الحرب، وأتعبته تفاصيل الحياة اليومية.

مقالات ذات صلة