تزامنًا مع اشتداد الحرائق التي التهمت آلاف الهكتارات من الغابات والمناطق الزراعية في الساحل السوري، برزت استجابة شعبية ومجتمعية لافتة، تمثلت في إطلاق عدد من الحملات التطوعية بقيادة فرق وجمعيات ومنظمات محلية، بهدف مساندة العائلات المتضررة وتأمين الاحتياجات الأساسية للمنكوبين.
وبينما تواصل فرق الإطفاء والكوادر المحلية كفاحها لاحتواء ألسنة اللهب الممتدة في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة وإدلب، تصاعدت أيضًا أصوات التضامن من المجتمع المدني، في محاولة لسد الثغرات التي تركها غياب الإمكانيات الرسمية الكافية.
“عَقِمها” و”كُن عونًا”: تعاون ميداني على خط النار
في مشهد يعكس روح المسؤولية الجماعية، أعلنت جمعية “عَقِمها”، بالتعاون مع فريق “كُن عونًا”، عن إطلاق استجابة طارئة تهدف إلى دعم العائلات التي نزحت من منازلها بسبب الحرائق، وتقديم مساعدات ميدانية للمناطق المنكوبة.
وأكدت الجمعيتان أن النيران لم تعد شأنًا محليًا، بل كارثة وطنية تمس الجميع، داعيتين إلى التكاتف الشعبي، بقولهم: “نار واحدة تلتهم أرضنا جميعًا، وقلوبنا تحترق معها”.
وبحسب حسام حميدوش، أحد منسقي حملة “كُن عونًا”، فإن الفريق تمكّن من إيصال 280 برميل مياه إلى “النقطة صفر”، حيث تدور معارك الإطفاء في ظروف صعبة، وسط نقص حاد في الموارد. ويضيف: “الأبطال المرابطون يواجهون النار بلا تعب ولا توقف، لكن الإمكانيات لا تكفي. هناك عائلات اليوم بلا مأوى، بلا غطاء، بلا طعام”.
وجاء نداء التبرع الذي أطلقته الحملتان بعبارات مؤثرة تحث على الإحساس بالمسؤولية والانتماء: “التبرع اليوم مو بس فعل خير، هو انتماء ومسؤولية. مهما كان بسيط، حيكون جزء من الكل”.
“نساء من أجل الأرض”: مبادرة نسوية تقود الاستجابة من قلب الرماد
من قلب الأزمة، ظهرت مبادرة “نساء من أجل الأرض”، بقيادة مجموعة من المنظمات النسائية السورية، لتكون واحدة من أبرز المبادرات المدنية ذات الطابع النسوي، والتي عبّرت عن دور النساء في زمن الكوارث، ليس فقط كضحايا، بل كقائدات في الخطوط الأمامية للاستجابة.
أحلام الرشيد، إحدى النساء المشاركات في الحملة، أوضحت أن الحملة جاءت استجابة عاجلة لما وصفته بـ”النكبة البيئية والإنسانية”، مشيرة إلى أن النساء السوريات من مختلف المناطق والخلفيات اجتمعن لحماية الأرض ومساندة المجتمع. وتقول: “نحن نساء سوريات من خلفيات متنوعة وتخصصات مختلفة، اجتمعنا لنقف إلى جانب أهلنا في وقت الشدة، لنحمي ما تبقى من أرضنا وكرامتنا، ونقود جهود إعادة الحياة”.
وشملت أهداف الحملة تقديم الدعم العيني والمادي للعائلات المتضررة، وإرسال صهاريج مياه إلى المناطق العطشى، وتأمين المحروقات للآليات العاملة في الإطفاء، واستقبال العائلات المنكوبة وتأمين سكن مؤقت، وتنفيذ تدخلات إسعاف نفسي أولي للنساء والأطفال.
مشهد تضامني يساند فرق الإطفاء
تعكس هذه المبادرات أهمية التعاون المجتمعي في دعم الاستجابة الرسمية، حيث تبرز المنظمات الأهلية والأفراد كخط دفاع رديف أمام الكوارث البيئية والإنسانية. كما تُظهر الحملات أن التضامن الشعبي ما زال ينبض في قلب المجتمع السوري، رغم الانقسامات والصعوبات.
ولا تقتصر على ما توفره من مياه أو غذاء أو مأوى، بل تتجاوز ذلك إلى ما تحمله من رسائل عميقة عن التضامن والارتباط بالأرض والناس، وإعادة بناء الروح الجماعية التي تصد الحرائق المعنوية قبل المادية.
كذلك يواصل فريق الاستجابة الطارئة أداء مهامه إلى جانب عناصر الدفاع المدني ووزارة الطوارئ والكوارث، في معركة ضارية ضد واحدة من أسوأ موجات الحرائق التي يشهدها الساحل السوري. ووفق ما أكده مدير الفريق، فإن هناك جهودًا جبارة، رغم المخاطر الكبيرة وصعوبة التضاريس، تُبذل منذ أيام دون توقف لاحتواء النيران ومنع تمددها نحو مناطق جديدة.
وتشهد عمليات الإطفاء تنسيقًا ميدانيًا واسعًا، مع دخول الطيران المروحي على خط المواجهة، ووصول فرق دعم من دول مجاورة كتركيا والأردن. وفي وقت تشتد فيه الحاجة إلى كل دعم ممكن، تواصل فرق الإطفاء في الدفاع المدني والاستجابة الطارئة وغيرهم من المتعاونين إنقاذ ما تبقى من الغابات.