شهدت منطقتا رأس العين وتل أبيض في منطقة نبع السلام حدثًا تربويًا هامًا صباح اليوم، تمثل في انطلاق امتحانات الشهادة الثانوية العامة (البكالوريا) لأول مرة منذ أكثر من 13 عامًا من الانقطاع عن التعليم الحكومي، في خطوة وصفتها المجالس المحلية بأنها “نقلة نوعية” على طريق استعادة الاستقرار التعليمي في المنطقة.
عودة الأمل بعد سنوات من الحرمان
رئيس مكتب التربية والتعليم في مدينة رأس العين، عمار حميد، أوضح في تصريح لموقع “سوريا 24” أن الامتحانات انطلقت بهدوء ومن دون معوقات، مؤكدًا أن عدد الطلاب المتقدمين بلغ هذا العام 1233 طالبًا وطالبة، توزعوا على 566 في الفرع العلمي، و667 في الفرع الأدبي.
وبيّن حميد أن الامتحانات تُجرى في مراكز مؤهلة ومزودة بكافة المستلزمات، وأن المجلس المحلي، بالتعاون مع مديرية التربية، عمل على تهيئة بيئة امتحانية مريحة وآمنة، تحاكي الظروف المتوفرة في المناطق الأخرى الخاضعة للتعليم الحكومي، مما يعزز جودة العملية الامتحانية ويضمن للطلاب حقوقهم التعليمية.
وفي مدينة تل أبيض، أوضح المجلس المحلي أن عدد المتقدمين بلغ 1535 طالبًا وطالبة، وهو ما يعكس تزايد الثقة بالمنظومة التعليمية وحرص الطلاب على مواصلة مسيرتهم الأكاديمية، بعد سنوات من الانقطاع أو الاعتماد على التعليم غير الرسمي أو المناهج غير المعترف بها.
شهادات معترف بها تفتح آفاق المستقبل
اللافت في هذا الحدث هو أن الامتحانات هذا العام تُجرى بإشراف جهات رسمية، وبشهادات معترف بها من قبل الحكومة السورية، وهو ما شكّل مصدر فرح وارتياح كبيرين لدى الطلاب وذويهم، بعدما كانت الشهادات السابقة غير معترف بها رسميًا، وتحرم الطلاب من الالتحاق بالجامعات أو العمل في المؤسسات العامة.
أبو أسامة، والد أحد الطلاب، عبّر عن مشاعره قائلًا لـ”سوريا ٢٤”: “اليوم نشهد لحظة تاريخية. لم نكن نتوقع أن يعود أولادنا إلى مقاعد الامتحان بشهادات معترف بها. هذه الخطوة تعني الكثير لنا وللمستقبل. أصبح لأولادنا فرصة حقيقية لإكمال تعليمهم الجامعي والدخول إلى سوق العمل بثقة.”
أما أم أحمد، والدة طالبة في الفرع الأدبي، فقالت: “في السنوات السابقة، كانت بناتي يدرسن بلا أمل. شهادات لا قيمة لها، ومصير مجهول. اليوم، وهي تدخل قاعة الامتحان بابتسامة وثقة، شعرت أن الظلام بدأ ينقشع.”
دعم مستمر للعملية التعليمية
من جهتها، أكدت مديرية التربية في المجلس المحلي برأس العين أنها ستواصل جهودها لدعم العملية التعليمية، وتنظيم بقية مراحل الامتحانات بما يضمن النزاهة والشفافية، مع الالتزام بتطوير المناهج، وتأهيل المعلمين، وتوسيع نطاق المدارس الرسمية في عموم منطقة نبع السلام.
آمال كبيرة بمستقبل واعد
يعوّل الأهالي على هذه الامتحانات كخطوة أولى نحو إعادة بناء الثقة في مؤسسات التعليم الرسمية، وخلق بيئة حاضنة للعلم والمعرفة، خاصة في ظل الاستقرار الأمني النسبي الذي تشهده المنطقة، والذي سمح بإعادة فتح المدارس وترميم البنية التحتية التعليمية تدريجيًا.
ويأمل الجميع – من طلاب ومعلمين وأولياء أمور – أن تكون هذه الامتحانات نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة من التحصيل العلمي، تفتح أمام الشباب أبواب الجامعات، وتعيد الاعتبار لأهمية التعليم في بناء المجتمعات بعد سنوات من الصراع والحرمان.
وبينما يواصل آلاف الطلاب في رأس العين وتل أبيض تقديم امتحاناتهم، تبدو ملامح التفاؤل واضحة في وجوههم… فقد عادت البكالوريا، وعادت معها أحلام مؤجلة تنتظر أن تتحقق.