ارتفعت أسعار السيارات في مدينة القامشلي بشكل غير مسبوق. السبب الرئيسي كان القرار الأخير للحكومة السورية، الذي يمنع دخول السيارات المستعملة، ويسمح فقط بدخول السيارات الجديدة. هذا التحول فاقم الأزمة، وقفزت الأسعار من 2000 إلى 3000 دولار فوق السعر السابق، وتراجع السوق بشكل واضح، فيما أصبحت حركة البيع شبه متوقفة.
تاجر يصف الأزمة
أبو خليل، تاجر سيارات معروف في القامشلي وصاحب مكتب نشط في سوق المدينة، وصف تأثير القرار الحكومي بأنه بالغ السوء. وأوضح في حديثه لموقع سوريا 24 أن القرار الأخير أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وتسبب في انخفاض حاد في حركة المبيعات.
قبل صدور القرار، كانت السيارات الأوروبية المستعملة متوفرة بأسعار مقبولة، في حين كانت السيارات ذات اللوحات السورية (النظامية) أعلى ثمناً. ولكن بعد تراجع سيطرة الحكومة في المنطقة، تساوت الأسعار بين القامشلي وبقية مناطق محافظة الحسكة. إلا أن القرار الأخير أعاد الفوارق من جديد، ورفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
وأشار أبو خليل أيضاً إلى أن تغير السيطرة العسكرية في مدينة منبج ساهم في تأزيم السوق. فقد كانت منبج تُعد محطة مهمة لتجار القامشلي، سواء في استيراد السيارات أو تأمين قطع الغيار. واليوم، ومع تزايد الصعوبات في الحركة والتأمين، أصبح الوصول إلى هذه الموارد مكلفاً ومعقداً.
وأوضح أن غالبية الزبائن يفضلون السيارات التي تعمل على الديزل نظراً لانخفاض كلفتها التشغيلية وسهولة صيانتها مقارنة بسيارات البنزين. ومع ذلك، تراجع الطلب على الشراء بشكل كبير، وأكد أنه لم يتمكن من بيع أي سيارة طوال الأسبوع الماضي، في سابقة لم يشهدها منذ سنوات عمله في هذا المجال.
أسعار تتجاوز القدرة الشرائية
أشار أبو خليل إلى أن أسعار السيارات حالياً باتت مرتفعة إلى حد يصعب تحمله. فسيارات من نوع “جيب سي إم” تُعرض بسعر يتراوح بين 8500 و12500 دولار، بحسب سنة الصنع والحالة العامة. في السابق، كانت هذه السيارات تُباع بأسعار تتراوح بين 7000 و10000 دولار.
أما السيارات من موديلات 2018 وما فوق، فقد أصبحت تُباع بأسعار تبدأ من 20 ألف دولار فما فوق. حتى الطرازات الاقتصادية، مثل “كيا ريو”، التي كانت تُعرض بحالة جيدة مقابل 5500 دولار، أصبحت تُباع اليوم بأسعار تتراوح بين 5000 و7000 دولار. وينطبق الأمر نفسه على سيارات “أفانتي”، التي شهدت ارتفاعاً مماثلاً.
مواطن يبيع أرضه ويُفاجأ بالواقع
محمد أمين، يبلغ من العمر 42 عاماً، وهو موظف سابق في محكمة تتبع للنظام السابق، اضطر بعد توقف راتبه إلى بيع قطعة أرض مساحتها دونمان. وكان هدفه شراء سيارة أجرة يعتمد عليها كمصدر دخل لإعالة أسرته.
يقول محمد لموقع سوريا 24 إنه قصد سوق السيارات على أمل أن يجد سيارة مناسبة بسعر يتراوح بين 5000 و6000 دولار، لكنه فوجئ بأن الأسعار لا تقل عن 7000 دولار، وقد تصل إلى 7500. وعلى الرغم من بيعه لأرضه، لم تكفِ المبالغ التي حصل عليها لشراء سيارة، مما اضطره للتفكير في الاستدانة.
ويضيف: “الأسعار ارتفعت بشكل غير منطقي، وكل مكتب زرته برر الأمر بقرار الحكومة. ومع أن هذا القرار كان يفترض أن ينظم السوق، إلا أنه زاد من معاناة المواطن. بات امتلاك سيارة مستعملة عبئاً كبيراً، فما بالك بالسيارات الجديدة التي أصبحت حكراً على الطبقات الميسورة.”
انعدام الرقابة ومصالح التجار
هوزان، تاجر من المدينة يبلغ من العمر 38 عاماً، يرى أن الغلاء لم يعد مقتصراً على سوق السيارات فقط، بل شمل أيضاً كافة السلع الأساسية، من المواد الغذائية إلى المحروقات. ويؤكد أن التجار يرفعون الأسعار وفق أهوائهم، مستغلين غياب الرقابة الفعلية.
يقول هوزان لموقع سوريا 24: “الوضع لم يعد يُحتمل. كل قرار جديد يصدر يُستخدم كذريعة من قبل التجار لرفع الأسعار، حتى القرارات التي قد تخدم المصلحة العامة تحولت إلى أدوات لتبرير الاحتكار والربح غير المشروع.”
ويضيف أن المنطقة، رغم افتقارها للتواصل المباشر مع الداخل السوري في بعض الفترات، كانت تشهد أسعاراً أكثر استقراراً. أما اليوم، فباتت الأسواق بلا ضوابط، ولم يعد المواطن قادراً على مواكبة هذه التقلبات.
أزمة تتعمق والمواطن يدفع الثمن
ما يجري في سوق السيارات بالقامشلي يعكس أزمة أوسع: توترات أمنية، غياب الرقابة، واستغلال واضح من قبل التجار. والنتيجة سوق مغلقة في وجه المواطن العادي، وأسعار تجاوزت حدود القدرة الشرائية.
في ظل هذه الظروف، باتت السيارة – حتى المستعملة منها – حلماً بعيد المنال. المواطن الذي باع أرضه لم يتمكن من شراء وسيلة رزق، والتاجر الذي عمل لسنوات طويلة عاجز اليوم عن بيع مركبة واحدة.
ويبقى السؤال معلقاً: هل هناك من يسمع صوت المواطن؟ أم أن القرار يُتخذ في مكان، ويُترك المواطن وحده لمواجهة العواقب؟