في ظل التحديات المناخية والبيئية المتزايدة، يعاني القطاع الزراعي في ريف الرقة من أزمة حادة نتيجة نقص مياه الري. المزارعون، خصوصاً في المناطق التي تعتمد على نظام محطات الرفع، يواجهون صعوبات كبيرة في تأمين كميات كافية من المياه لري أراضيهم، بعد أن فرض مكتب الري هذا العام نظام تقنين صارم يهدف إلى توزيع الموارد المائية المتاحة بعدالة على جميع الحقول.
وتُعزى أسباب هذا التقنين إلى التراجع الحاد في منسوب مياه بحيرة الفرات، التي تُعد المصدر الرئيسي لتغذية نحو 80% من مشاريع الري في المنطقة، مما فاقم أزمة المياه وهدد الإنتاج الزراعي بشكل مباشر.
الآبار الارتوازية: خيار اضطراري رغم التكلفة المرتفعة
نتيجة تراجع كميات المياه المتوفرة عبر قنوات الري التقليدية، اضطر العديد من المزارعين إلى اللجوء إلى حفر آبار ارتوازية داخل أراضيهم، في محاولة لتأمين مصدر مائي دائم ومستقر يسمح لهم بري محاصيلهم. إلا أن هذا الحل ينطوي على أعباء مالية كبيرة، حيث تبلغ تكلفة حفر المتر الواحد نحو 15 دولارًا، ما يعني أن حفر بئر بعمق يتجاوز 80 مترًا – وهو الحد الأدنى للوصول إلى مياه كافية – قد تصل تكلفته الإجمالية إلى آلاف الدولارات.
ورغم ذلك، غالباً ما لا تسفر عمليات الحفر، حتى في أعماق كبيرة، عن الحصول على كميات كافية من المياه، مما يزيد من قلق المزارعين.
أزمة متفاقمة وتكاليف مرهقة
قال المزارع محمد عبد الله (57 عاماً) من قرية الخباص، في تصريح لموقع “سوريا 24”: “المياه المتوفرة عبر القنوات لم تعد كافية، مما تسبب بجفاف أراضينا. لجأنا إلى حفر بئر ارتوازي كحل ضروري، رغم التكلفة المرتفعة، لأننا لا نملك بديلاً للحفاظ على مصدر رزقنا.”
بدوره، أشار المزارع جعفر الخلف (33 عاماً) من قرية الجلاء، إلى أن: “تكلفة الحفر تزداد مع ازدياد العمق، ورغم ذلك نعاني من نقص حاد في المياه، فبعض الآبار لا توفر ما يكفي لري المحاصيل، وهذا يشكل مصدر قلق دائم.”
أما المزارع سعيد راشد (43 عاماً) من القرية ذاتها، فأكد أن: “نضطر لتحمل نفقات باهظة من أجل حفر الآبار، لكننا لا نضمن الوصول إلى كميات مناسبة من المياه، ما يؤثر سلبًا على الموسم الزراعي برمّته.”
الطاقة لتشغيل المضخات: بين الشمس والديزل
لتشغيل مضخات سحب المياه من الآبار، يلجأ المزارعون إلى مصادر طاقة مختلفة. الطاقة الشمسية باتت خياراً مفضلاً للبعض نظراً لطبيعتها البيئية وتوفيرها على المدى الطويل، لكن تكلفتها الأولية مرتفعة. إذ تبلغ تكلفة النظام الكامل، من لوحات شمسية ومضخة تضخ مياه بكمية 3 إنش، حوالي 3000 دولار.
بالمقابل، يستخدم عدد كبير من المزارعين محركات الديزل، التي تصل كلفتها مع المضخة إلى نحو 4000 دولار، عدا عن مصاريف الوقود والصيانة الدورية.
المزارع سامر الحسين (27 عاماً) من قرية السرحان، عبّر عن معاناة المزارعين قائلاً لسوريا ٢٤: “نحن أمام خيارات صعبة، فالطاقة الشمسية مرتفعة التكلفة مبدئياً لكنها أوفر مستقبلاً، أما محركات الديزل فتكلف أكثر وتحتاج إلى صيانة مستمرة. التقنين المائي يُصعّب علينا الزراعة، ولا بديل لدينا سوى حفر الآبار رغم تكلفتها، ونأمل بالحصول على دعم فني ومالي من الجهات المختصة.”
تحديات إضافية في بعض الأراضي
من جهته، أوضح المزارع نورس الخالدي (46 عاماً) من قرية الكدرو لسوريا ٢٤، أن الاعتماد على الآبار بات ضرورة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار، لكنّه أشار إلى أن بعض الأراضي لا تسمح بالحفر العميق، أو أن منسوب المياه فيها منخفض، مما يزيد من صعوبة سحب المياه ورفع التكاليف. وأضاف: “نأمل أن يتم تركيب أنظمة ري حديثة تساعد في تقليل الهدر وتحسين كفاءة استخدام المياه المتاحة.”
اللجنة الزراعية: جهود لتحسين الواقع المائي
في تصريح خاص لموقع “سوريا 24”, أكد مصدر مسؤول في اللجنة الزراعية أن نظام تقنين المياه يأتي بهدف ضمان عدالة التوزيع بين جميع المزارعين، مشيراً إلى أن هناك خطوات تُتخذ حالياً لتحديث شبكات الري والحد من الفاقد المائي، بالإضافة إلى دراسة إمكانية دعم المزارعين في حفر الآبار، سواء من خلال تقديم التمويل أو توفير المعدات اللازمة.
كما أشار المصدر إلى وجود مساعٍ لدعم استخدام تقنيات ري أكثر كفاءة، مثل الأنظمة المعتمدة على الطاقة الشمسية، في محاولة للتكيف مع التحديات المرتبطة بتغير المناخ وشح الموارد المائية.
تحديات مستمرة تستدعي استجابة فعّالة
في ظل تقنين المياه وتراجع منسوب الفرات، يجد مزارعو ريف الرقة أنفسهم مضطرين للجوء إلى حلول مكلفة وغير مضمونة مثل حفر الآبار، في محاولة للحفاظ على استمرارية الإنتاج الزراعي. وبينما يزداد العبء الاقتصادي، تبقى الحاجة ملحة إلى دعم حكومي ومشاريع تنموية تُعزز من كفاءة استخدام الموارد المائية وتخفف من وطأة الأزمة.