تبرز مخلفات الحرب، وخصوصاً الألغام والذخائر غير المنفجرة، كواحدة من أخطر التحديات التي تهدد حياة المدنيين وتعيق أي جهد حقيقي لإعادة الإعمار وتحسين الواقع المعيشي في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي.
انتشار واسع للألغام في محيط تدمر
تشير المعلومات الميدانية والشهادات المحلية من سكان تدمر لمنصة سوريا، إلى أن الألغام والمخلفات الحربية منتشرة بشكل كبير في محيط مدينة تدمر، خصوصاً في الجوانب الجنوبية والشرقية والشمالية.
هذه المناطق، التي تُعد مناطق زراعية حيوية، تضم عدداً كبيراً من الآبار الارتوازية التي يعتمد عليها البدو والرعاة في حياتهم اليومية.
وبحسب ما أفاد خالد بهاء الدين، مدير تنسيقية تدمر، في حديث لمنصة سوريا ٢٤، فإن “الخطر كبير جداً، لأن هذه المناطق تشهد تردداً مستمراً من السكان والرعاة، ما يجعلهم عرضة للانفجارات في أي لحظة”.
وأضاف بهاء الدين: “مع اقتراب موسم صيد الطيور الحر في البادية، تزداد المخاوف من وقوع إصابات جديدة، إذ يتدفق الصيادون إلى مناطق لم تُمس بعد بحملات التطهير، ولا أحد يضمن سلامتها”.
الأحياء المهجورة مركز لمخلفات الحرب
رغم حملات إزالة الألغام التي نفذتها مجموعات من الفرقة 42 وعناصر من الأمن العام، بناء على بلاغات الأهالي، إلا أن النسبة لا تزال مقلقة في بعض المناطق.
وأكد بهاء الدين أن “نسبة الألغام والمخلفات داخل المدينة أصبحت قليلة جداً”، لكنه حذّر من أن “الخطر لا يزال قائماً، خصوصاً في المنازل والأحياء التي لم يُعَد إليها السكان بعد”.
وهنا تكمن المفارقة: فبينما تبدو الشوارع الرئيسية في تدمر آمنة نسبياً، فإن الأحياء السكنية المهجورة، كمنطقة الحي الشمالي، تُشكل “قنبلة موقوتة”، حيث يُخشى من وجود ألغام مزروعة بشكل عشوائي داخل المنازل أو تحت المباني المدمرة، وفق المصدر ذاته.
النظام زرع الألغام عشوائياً ولا توجد خرائط
من جهته، ذكر الناشط المدني حمود عبد الله، أحد سكان تدمر، في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن النظام السابق، خلال سيطرته على المدينة بعد طرد داعش، “قام بزرع الألغام بشكل عشوائي وكثيف في عمق البادية، وفي أطراف منطقة الـ55 كم، وجنوب وشرق المدينة، وحتى داخل الأحياء السكنية”.
وأضاف: “لا يوجد عدد دقيق للمساحات المزروعة، لكن التقديرات تشير إلى ما بين 12 ألفاً إلى 15 ألف متر مربع من الأراضي الملغومة”.
وأكد عبد الله أن “أحد أكبر العوائق أمام عملية التطهير هو غياب الخرائط الدقيقة للمنشآت الملغومة”، موضحاً أن “النظام لم يترك أي وثائق أو تسجيلات، ما يجعل العمل مرهوناً بالشكوى الفردية أو الحوادث المؤسفة”.
مخلفات حربية تهدد البيوت والبنية التحتية
وليس الألغام وحدها ما يهدد السكان. فقد أفاد عبد الله أن “أطناناً من الذخائر الحربية، كقذائف الهاون والصواريخ، لا تزال مخزنة داخل منازل المدنيين، إما تركها النظام أو داعش، أو نُقلت إليها أثناء الاشتباكات”.
ولفت إلى أن “شبكة تدمر الإخبارية سجّلت أكثر من 15 انفجاراً ناتجاً عن ألغام أو ذخائر غير منفجرة، أودت بحياة أكثر من 25 شخصاً، بينهم مدنيون وعسكريون”.
عمليات تطهير لآثار تدمر
من جهته، قال رائد الحسون، مسؤول عمليات مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري، في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “قام فريق الإزالة منذ فترة بعملية تطهير لآثار تدمر، وقام بالتخلص من الذخائر لتأمين وصول وفد برفقة الدفاع المدني لتقييم احتياج الآثار”.
وأضاف: “تصلنا بلاغات عن وجود مستودعات ذخيرة، ونقوم بالإبلاغ عن وجودها من خلال التواصل مع فرق الهندسة العسكرية المتواجدة في حمص التابعة لوزارة الدفاع”.
عقدة وصل استراتيجية وبنية تحتية متردية
تقع تدمر في قلب سوريا، على تقاطع الطرق الرئيسية بين دمشق ودير الزور، وبين حمص والبادية، ما يجعلها عقدة لوجستية حيوية.
كما تمتاز المدينة بثروات طبيعية مهمة، كمكامن النفط والغاز والفوسفات، إضافة إلى كميات كبيرة من الرخام التي تُعد مواد أساسية في إعادة البناء.
ورغم مرور سنوات على تحرير تدمر، لم تشهد المدينة أي تحسن ملحوظ في البنية التحتية، إذ إن شبكة الصرف الصحي معطلة بالكامل، ومياه الشرب غير متاحة بشكل منتظم، والكهرباء مقطوعة في معظم الأحياء. ويشكو السكان من “إهمال متعمد”.
وفي ظل هذه الأوضاع، تزداد المطالبات من الأهالي ومنظمات محلية بضرورة إطلاق حملة منظمة وشاملة لإزالة الألغام، تُموّل وتُنفّذ بمشاركة فرق متخصصة دولية، مع دعم تقني ولوجستي.