الرقة: مكاتب سيارات متنقلة تنسج الأمل وسط النزوح

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

في ريف الرقة، تتجلى روح الإصرار والابتكار في مبادرة لافتة أطلقها نازحون لجأوا إلى المنطقة هرباً من الحرب، تمثلت في تأسيس مكاتب سيارات متنقلة تعمل في ظروف معيشية صعبة، داخل خيام بسيطة تحولت إلى نقاط بيع وشراء للمركبات. هذه المكاتب لا تقتصر على الجانب التجاري فقط، بل تعكس إرادة النازحين في بناء مستقبل جديد يواجهون به التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضها النزوح.

من خيمة إلى مصدر رزق مستقر

أحمد الجدوع، نازح يبلغ من العمر 56 عاماً من ريف حمص، هو أحد الرواد الذين أسسوا مكتب سيارات متنقل في ريف الرقة. يروي قصته لـ”سوريا 24″ قائلاً: “عندما وصلنا إلى هذه المنطقة بعد النزوح، لم يكن من السهل إيجاد عمل ثابت. قررت استثمار معرفتي ومهارتي في مجال السيارات لتأمين دخل لي ولعائلتي، خاصة بعد أن لاحظت وجود حاجة حقيقية لهذا النوع من الخدمات في المنطقة. بدأنا بخيمة صغيرة، واليوم لدينا زبائن من مختلف المناطق.”

ويضيف الجدوع: “الدافع الأساسي وراء الفكرة لم يكن الرغبة في التجارة فحسب، بل الحاجة الملحة لمصدر دخل سريع. ركزنا على بيع وشراء الشاحنات والجرارات والمعدات الزراعية، كونها الأكثر طلباً في هذه البيئة الريفية.”

أمان اقتصادي واجتماعي للنازحين

مصطفى العلي، شريك الجدوع في العمل ويبلغ من العمر 35 عاماً، يشير إلى الجانب الاجتماعي والإنساني الذي تميزت به هذه المبادرة، قائلاً: “مع بدايات الثورة، انتشرت العديد من حالات الاحتيال في بيع السيارات، حيث وقع كثيرون ضحايا لشراء سيارات مسروقة أو غير قانونية. من هنا، جاءت أهمية هذه المكاتب التي وفرت للنازحين نوعاً من الأمان والموثوقية، لا سيما أولئك الذين لا يعرفون المنطقة أو كيفية التعامل مع المكاتب المحلية.”

ثقة مجتمعية متنامية

ويؤكد ذلك أيضاً علي العساف، نازح يبلغ من العمر 41 عاماً، في تصريح لـ”سوريا 24″، حيث أعرب عن ارتياحه لتجربته مع هذه المكاتب: “اشتريت شاحنة عبر أحد هذه المكاتب، وكان التعامل سلساً وسريعاً دون أي تعقيدات بيروقراطية. وجود هذه المكاتب ساعدنا كثيراً كنازحين في تأمين وسائل العمل وكسب لقمة العيش بطرق آمنة ومرنة.”

استجابة لحاجات الريف ومجتمعه

تعكس طبيعة النشاط التجاري لهذه المكاتب، والمتمثلة في التركيز على الشاحنات والمعدات الزراعية، مدى ارتباطها باحتياجات المجتمع الريفي في الرقة، حيث يعتمد السكان بشكل رئيسي على الزراعة والأنشطة المرتبطة بها. هذا التوجه يشير إلى مدى وعي أصحاب هذه المكاتب بالواقع الاقتصادي المحلي وقدرتهم على تقديم حلول عملية تناسب السياق الذي يعيشون فيه.

نموذج يحتذى في الصمود والإبداع

تعد تجربة مكاتب السيارات المتنقلة مثالاً حياً على قدرة الإنسان السوري على التكيف والإبداع حتى في أقسى الظروف. فقد أثبت النازحون أنهم قادرون على تحويل التحديات إلى فرص، من خلال الاعتماد على المبادرة الذاتية والعمل الجماعي.

هذه المبادرات لا توفر فقط مصادر دخل لأصحابها، بل تسهم في استقرار مجتمعات النزوح وتحقيق نوع من التوازن الاقتصادي والاجتماعي داخل بيئة قاسية تعاني من تراجع البنية التحتية والخدمات الأساسية.

رسالة أمل من ريف الرقة

تجربة هذه المكاتب المتنقلة تحمل في طياتها رسالة واضحة: أن النزوح لا يعني نهاية الأمل. بل على العكس، يمكن أن يكون بداية لمشاريع ناجحة ومبادرات رائدة تنبع من الحاجة وتصقلها الإرادة. إنها قصة صمود تبرهن أن الإنسان قادر على خلق فرص جديدة له ولأسرته، حتى وسط ظروف النزوح والمعاناة.

مقالات ذات صلة