في ظل انعدام فرص العمل التقليدية وتراجع الدخل، تلعب المشاريع المنزلية دورًا حيويًا في دعم النساء السوريات، وتمكينهن من الاستقلال المادي والنفسي. وتشكّل الفنون اليدوية، مثل صناعة الورود، والتطريز، والخياطة، ميدانًا خصبًا للابتكار، واستثمارًا مباشرًا للمواهب الفردية.
وسط ظروف اقتصادية صعبة ومحيط اجتماعي يضغط على طموح النساء، وجدت رغد بيبرس، السيدة الدمشقية الثلاثينية، في الفنون اليدوية ملاذًا للتعبير، وفرصة لتحويل موهبتها إلى مشروع منزلي يفيض بالجمال، ويمنحها شعورًا عميقًا بالإنجاز.
في حديثها الخاص لـ”سوريا 24“، تقول رغد: “أنا أم لثلاثة أطفال، ومنذ طفولتي لدي شغف بالفنون، وكل ما هو جميل وجديد. كنت أتعلم كل مهارة تقع عيني عليها، من الكروشيه إلى الخياطة والتطريز، وحتى إعادة التدوير، لكن في البداية كنت أصنع هذه الأشياء فقط لمنزلي وأولادي”.
ورغم أن أعمالها اليدوية كانت تنال إعجاب صديقاتها، وتُلفت الأنظار بلمساتها الفريدة، لم تفكر رغد في تحويل موهبتها إلى مشروع حقيقي، إلى أن أتتها الفرصة بمحض الصدفة، عبر صديقتها، وهي منظمة حفلات، التي اقترحت عليها تنفيذ “ورد عملاق” لإحدى المناسبات، لتبدأ حينها رحلة جديدة مليئة بالتجريب والتعلّم والتطور.
عشق التفاصيل وتحويل الشغف إلى مصدر طاقة
تشير رغد إلى أن والدتها كانت تعمل أيضًا في فنون الورد الجداري منذ سنوات، لكنّها لم تفكر بأن تتبع المسار نفسه، إلا أن التجربة كشفت لها عن جوانب لم تكن تلتفت إليها سابقًا.
“بدأت ألاحظ تفاصيل الأزهار، أشكال البتلات، ودرجات الألوان، وأصبح لديّ حس مختلف تجاه الطبيعة. هذا العمل غيّر نظرتي للحياة، جعلني أرى الجمال في الأشياء الصغيرة، وصار عندي دقة عالية بالملاحظة”.
لا تقتصر أعمالها على خامة واحدة، فهي تستخدم الورق المقوى، الفوم، القماش، وحتى الكورنيش، ولكل خامة، كما تقول، طبيعتها الخاصة وتقنياتها المختلفة، ما يجعل عملية التعلم والتطوير مستمرة.
تقول “كل وردة بشتغل عليها بتعلّمني شيء جديد، ولازم أجرب أكثر من مرة لحتى أوصل للنتيجة اللي بتمثلني. الشغل اليدوي مو سهل، بس الإحساس بعد الانتهاء من قطعة جميلة ومحبوبة من الناس بيعطيني طاقة ضخمة للاستمرار”.
من الصعوبات التي واجهتها رغد خلال عملها بفن الورق هو تأمين المواد اللازمة للعمل، تخبرنا أنها إلى الآن تعاني منها مع البحث عن حلول بديلة وهذا ما جعلها تستمر بهذا المجال مع أملها أن يتوفر في المستقبل مكان واحد يأمن كل مستلزمات الاعمال اليدوية.
من وورد إلى عوالم الطفولة.. مشروع متعدد الزوايا
لم تكتفِ رغد بمجال الورود العملاقة، بل قررت توسيع مشروعها ليشمل تنظيم فعاليات للأطفال، وتصميم ديكورات تناسب حفلات الميلاد والمناسبات الخاصة.
سبق أن عملت مع الأطفال في روضات داخل سوريا وخارجها، وبالتحديد في أربيل، وهناك طوّرت مهاراتها التربوية والفنية، لتجمع بين الفن والأنشطة التعليمية.
تضيف “بشتغل أفكار غريبة وجديدة للأطفال، ما بحب التكرار، وكنت دائمًا أبحث عن أنشطة خارج المألوف. ولما رجعت على سوريا، دمجت هذا الشغف مع مشروعي، وصرت أعمل ديكورات مخصصة للأطفال، من الفراشات إلى المجسمات الملوّنة”.
الهوية البصرية للمشروع.. من “رغد” إلى “رغود”
حين أرادت رغد اختيار اسم لمشروعها، فكرت طويلًا قبل أن تستقر على اسم “رغود”، وهو اسم ينادونها به أهلها وأصدقاؤها. تقول ضاحكة: “رغود قريبة مني، وهي تعني الهدوء والرقة، وأحسست أنها تعبّر عن هوية شغلي اللي فيه لمسة نعومة وجمال، وفيها شيء مني ومن طريقتي بالشغل”.
ترى رغد أن المشاريع المنزلية والفنون اليدوية ليست فقط مصدر دخل، بل أداة تعبير وتمكين شخصي، تمنح النساء الشعور بالقيمة، والقدرة على الإبداع في أصعب الظروف. “هذا المشروع غير حياتي. خلاني أحس إني عم أعمل شي حلو، والناس عم تحبه. ومن خلاله، قدرت أوازن بين بيتي وأولادي وطموحي الفني” تقول بفخر.
الفنون اليدوية والمشاريع الصغيرة.. رئة اقتصادية واجتماعية للنساء السوريات
تعكس قصة رغد نموذجًا لنساء سوريات قررن عدم الاستسلام للظروف، واستخدمن أدوات بسيطة لإعادة صياغة حياتهن، وتحقيق حضور مهني وإنساني في آن واحد. “ما في فكرة بتنتهي، دائمًا في ألوان جديدة، ورد جديد، وشكل جديد.. وهذا أجمل شيء بمجالنا”، تختم رغد حديثها بابتسامة يملؤها الشغف.