في ممرات مشفى الرازي بحلب، تدور قصص أمل لا تنقلها الكاميرات؛ عمليات جراحية نوعية تُنجز بهدوء، وابتسامات مرضى يتجاوزون الألم بأيدٍ طبية خبيرة، ضمن حملة إنسانية يقودها أطباء سوريون مغتربون في ألمانيا، عائدين إلى أرض الوطن ليمنحوا أهلهم ما عجزت عنه الظروف والإمكانات.
مبادرة إنسانية بطابع علمي
حملة “شفاء 2”، هي استمرارية لحملة “شفاء 1” التي أجريت في عدة محافظات سورية، وتضمنت حينها 670 عملية جراحية، معظمها في مجالات جراحة القلب والعظام والجراحة العصبية. أما اليوم، فما تزال عمليات “شفاء 2” تُجرى تباعًا، وقد بلغت حتى الآن نحو 200 عملية، تتركز بشكل خاص على الحالات العصبية المعقدة مثل تثبيت الفقرات، والمدخل الجانبي، والجراحات الدقيقة في الأعصاب.
الدكتور عاصم الحاج، أحد أبرز أطباء الأعصاب السوريين المقيمين في ألمانيا، وأحد القائمين على الحملة، يوضح أن الهدف مزدوج: تقديم الدعم الطبي النوعي للمرضى المحتاجين، إلى جانب تبادل الخبرات مع الزملاء السوريين العاملين داخل البلاد، بما يضمن استمرارية التأهيل والتطوير.
ويؤكد الحاج أن الحملة ممولة ذاتيًا بالكامل، من تبرعات وجهود الفريق الطبي، وأولوية العمليات تُعطى لـذوي الشهداء والجرحى والفقراء، مع التركيز على الحالات الحرجة فقط لضمان تحقيق أعلى فائدة طبية ممكنة.
شهادات إنسانية من داخل غرف الانتظار
حليمة شيخ محمد، مرافقة لمريضة خضعت لجراحة دقيقة في العين، تقول: “كانت والدتي تعاني من كتلة دهنية ضاغطة على النظر، وقد تم استئصالها في الحملة، والحمد لله مشي الحال”، مشيرة إلى أن “الكلفة المتوقعة للعملية كانت عالية جدًا في القطاع الخاص، لكن الحمد لله تم الأمر بفضول جهود الأطباء المشاركين قط حملة شفاء 2”.
أما ابتسام بهلوان، المصابة بديسك فقرات في الظهر، فتقول: “وضعي المادي صعب جدًا، وسجّلت قبل 3 شهور وانتظرت دوري، واللجنة طلبتني فعلًا… الترتيب ممتاز، بس بتمنى يصير اهتمام أكبر ونشوف رعاية مستمرة”.
دور مشفى الرازي: الجراحات النوعية والتنسيق اللوجستي
الدكتور عبد القادر فرح، مدير مشفى الرازي بحلب، يؤكد في حديثه لـ سوريا 24 أن المشفى يُعتبر “الجراحي والإسعافي الأول” في المدينة، ومن هنا كان اعتماده كمركز رئيسي للحملة” وأنه “أجري فيه عدد كبير من العمليات النوعية ضمن جداول مدروسة مسبقًا بما يتناسب مع أوقات الفريق الزائر”.
وأوضح الدكتور فرح أن إدارة المشفى نسّقت بشكل مبكر مع الأطباء القادمين، حيث تم ربطهم مع أطباء محليين في نفس الاختصاص، وبدأ التعاون والتجهيز قبل وصول الفريق الطبي إلى سوريا.
وأضاف:“نوفر كل المستلزمات الطبية اللازمة، وغرف العمليات لدينا مؤهلة مسبقًا، لكننا نُخصّصها للحالات النوعية خلال الحملة، ونتابع المرضى بعد العمليات عبر الكادر الطبي المحلي”.
وعن نوع التنسيق القائم، أشار إلى أنه يتم إعداد المرضى مسبقًا بشكل طبي كامل، كما يُراعى تنسيق المواعيد بين التخصصات المختلفة داخل المشفى لمنع التداخل أو التعارض.
أكثر من مجرد عمليات
ولم تقتصر الحملة على العمل الجراحي فقط، بل أُقيمت يوميًا محاضرات علمية للأطباء المحليين، وستُستكمل لاحقًا عبر الإنترنت بين الحملات، ضمن برنامج تبادل علمي دائم، حيث أشار الدكتور فرح إلى قرار وزارة الصحة الأخير بإنشاء “هيئة التخصصات الطبية السورية”، والتي تشترط أن يكون ضمن مجالسها العلمية أطباء سوريون مغتربون، وذلك لربط الداخل بالخارج وتحقيق تحديث فعلي للمعرفة الطبية الوطنية.
وأكد مدير المشفى أن الحملة ساهمت في تخفيف الضغط الكبير عن القطاع الصحي العام، وأعادت الأمل لمئات المرضى، خاصة من أصحاب الحالات المعقدة الذين لا يستطيعون تحمّل كلفة العلاج في القطاع الخاص.
وأضاف: “نحن على تواصل دائم مع الأطباء السوريين في الخارج، وهناك مشاريع توأمة قيد التنفيذ، هدفها نقل الخبرة وبناء استمرارية بين مؤسساتنا الصحية وطاقاتنا المغتربة”.