بينما يُفترض أن يكون التقاعد مرحلة للراحة بعد سنوات طويلة من الخدمة، يتحوّل كل شهر إلى معاناة شاقة للموظفين المتقاعدين في سوريا، تبدأ مع بداية كل شهر أمام أبواب المصارف العقارية، وسط طوابير طويلة، وأزمات سيولة، وصرافات معطّلة أو بطيئة، في مشهد يتكرر بلا حلول جذرية حتى الآن.
مشهد مؤلم في بداية كل شهر
في حديث لـ”سوريا 24″، عبّر عزام غريب، أحد المتقاعدين عن غضبه من المشهد الشهري المتكرر أمام الصرافات قائلاً:” بكل دول العالم بيراعوا وضع المتقاعد، لأنو بالأغلب كبار بالعمر وعندن أمراض مزمنة، بينما عنا الشاب اللي بأول عمره بيقبض راتبه بسهولة، والمتقاعد بيضطر يوقف ساعات، يدفع أجار طريق، ويمكن يرجع بلا ما يقبض بسبب الزحمة أو عطل الصراف”.
مقترحاً حلولا عدة منها إرجاع قسم من المتقاعدين للمعتمدين، توزيع السيولة على أكتر من صراف، أو تحويل الرواتب على شام كاش أو البريد، أو حتى مكاتب التحويلات الخاصة”.
وتتابع إحدى منى محمد، ابنة أحد المتقاعدين من ريف دمشق: “رجاءً، حلوا أزمة كبار السن، سواء كانوا رجال أو نساء. حرام يوقفوا ست ساعات وما يجي دورهم. ليش ما بيتحول راتب المتقاعد مباشرة على بطاقة يقدر يستلم منها من البنك أو البريد؟ تعبنا من هالعذاب”.
بطاقات متفاوتة وسقوف سحب غير عادلة
من الأسباب التي تزيد الطين بلة، تفاوت سقوف السحب المسموح بها، والتي تعتمد على نوع البطاقة، فهناك من يستطيع سحب 500 ألف ليرة سورية دفعة واحدة، في حين تقتصر بطاقات أخرى على سقف 200 ألف ليرة فقط. تضيف منى “هو الراتب أصلًا مو كبير، فوقها بيتجزأ وما بينسحب كامل، وبدك تضل رايح جاي على الصرافات”.
حلول بديلة موجودة لكن مغيّبة
بحسب ما رصدته منصة سوريا 24، فإن شريحة كبيرة من الموظفين الذين لا يزالون على رأس عملهم، بات بإمكانهم استلام رواتبهم عبر تطبيق شام كاش، من خلال مكاتب الصرافة أو الشركات المتعاقدة، إما دون عمولة أو بعمولة رمزية. لكن هذا الخيار ما يزال محدودًا أو غير مفعل فعليًا بالنسبة للمتقاعدين.
في السياق ذاته، يمكن للمتقاعدين، بحسب النظام المعمول به، مراجعة مؤسسة التأمينات الاجتماعية وتقديم طلب تحويل رواتبهم من المصرف العقاري إلى المؤسسة السورية للبريد، مما يسمح لهم بسحب كامل الراتب دفعة واحدة من أي مركز بريدي، دون الحاجة للانتظار الطويل أمام الصرافات.
دور البريد وحلول بديلة
المهندس محمد العلي، مدير مديرية بريد ريف دمشق، أوضح في حديث خاص لـ”سوريا 24″ أن المؤسسة السورية للبريد تقدم العديد من الخدمات المهمة، من بينها تقبيض رواتب المتقاعدين سواء على نظام التأمينات الاجتماعية أو على نظام التأمين والمعاش، بالإضافة إلى خدمات الحوالات المالية الداخلية، وثيقة غير عامل، ودفع رسوم الجامعة الافتراضية، نقل البريد العاجل وغيرها.
وأشار إلى أنه بإمكان المتقاعد التوجه للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وتقديم طلب نقل راتبه من بطاقة الصراف الخاصة بالمصرف العقاري وتوطينه عبر البريد، ليصبح بإمكانه قبض راتبه من المكاتب البريدية المنتشرة في أغلب المناطق.
كما يمكن للعاملين في الجهات الحكومية المختلفة قبض رواتبهم عبر الشام كاش من هذه المكاتب. وأضاف العلي : “هناك خطة لتفعيل وتأهيل وتجهيز بعض المكاتب البريدية في مناطق مثل داريا وعدرا العمالية وزملكا، والعمل جارٍ على أتمتة مكاتب بريدية جديدة مثل الضمير ورنكوس والقطيفة والصبورة ويبرود…وغيرها وربطها ببقية المكاتب.
وهذا يساهم في تخفيف الضغط و الازدحام أمام الصرافات الآلية من جهة ويخفف العبء على الإخوة المواطنين من جهة التنقل والانتظار لساعات طويلة.
وبيّن أن السبب الأساسي للازدحام أمام الصرافات الآلية هو وجود أعداد كبيرة من المتقاعدين في أول أيام الشهر، مع قدوم البعض من محافظات بعيدة مثل الحسكة والرقة، في ظل قلة عدد الصرافات.
أزمة تُنذر بالمزيد إن لم تُعالج
يبقى المشهد نفسه: كبار في السن ينتظرون لساعات تحت الشمس أو المطر، يعانون من أمراض مزمنة، ولا يجدون من يُراعي ظروفهم. والحلول – رغم بساطتها – لا تزال غائبة عن التنفيذ الفعلي، فيما يُحمّل المتقاعدون أعباء إضافية لا طاقة لهم بها.
يقول من تحدث إلينا إنه نداء مفتوح لوزارة المالية، ومؤسسة التأمينات الاجتماعية، والمصارف المعنية: “لتكن كرامة المتقاعد أولوية، ولتُفعّل أنظمة أكثر عدالة ومرونة، تعيد لهذا المواطن المتعب القليل من الاحترام الذي يستحقه بعد عقود من الخدمة”.