تعد تربية الإبل في ريف الرقة ظاهرة جديدة نسبياً شهدت ازدياداً ملحوظاً منذ اندلاع الثورة السورية، حيث تحولت هذه المنطقة إلى ملاذ آمن للمربين الذين اضطروا للنزوح من البادية السورية بسبب الظروف الأمنية المتدهورة وانتشار الألغام. وتُعتبر البادية الموروث الطبيعي والموطن الأساسي لتربية الإبل، بفضل مساحاتها الشاسعة ومراعيها الغنية ومواردها المائية، غير أن سيطرة الميليشيات الإيرانية على تلك المناطق أجبرت الكثير من المربين على الرحيل حفاظاً على حياتهم وقطعانهم.
محمد العلي، مربي إبل في الخامسة والخمسين من عمره، يروي لـ”سوريا 24″ تفاصيل معاناة المربين: “كنا نعيش في البادية حياة مستقرة، لكن بعد سيطرة الميليشيات وانتشار الألغام، لم يعد بإمكاننا البقاء هناك. توجهنا نحو ريف الرقة حيث المياه والمراعي أفضل، والحمد لله القطيع بخير.” تعكس كلمات محمد مدى الخوف والقلق الذي يعتري المربين تجاه العودة إلى موطنهم الأصلي، في ظل المخاطر المحدقة بالألغام التي تحيط بالمناطق التي كانوا يعيشون فيها.
ويؤكد المربي حسين الكمالي أن العائق الأمني هو السبب الرئيسي في تأجيل العودة: “لا نخطط للعودة في الوقت الحالي، الألغام المنتشرة في البادية تعطل أي خطة للعودة. نحن الآن في الرقة نحاول التأقلم مع الواقع رغم صعوبة النزوح.” هذه التصريحات تلقي الضوء على تحديات النزوح القسرية التي أجبر المربين على مواجهتها، وأثرها الكبير على حياتهم اليومية.
وفيما يخص الجانب الاقتصادي، ساهم انتقال المربين إلى ريف الرقة في دعم النشاط الاقتصادي المحلي، حيث أصبحت تربية الإبل مصدر رزق أساسي للعديد من العائلات. يقول أحمد السالم: “الرقة وفرت لنا المراعي والمياه، وهذا ساعدنا على استقرار قطعاننا، لكننا ننتظر تهيئة الظروف للعودة إلى البادية، لأن الارتباط بالأرض جزء لا يتجزأ من هويتنا.”
أما جمال الحسين، المربي الذي يرى في تربية الإبل أكثر من مجرد مهنة، فيقول: “تربية الإبل ليست مجرد عمل، بل هي تراث وتاريخ نتمسك به، ولا نريد أن ينتهي. الظروف صعبة حالياً، لكننا نأمل أن تتحسن الأمور قريباً لنعود إلى بيوتنا ومراعي أجدادنا.” تعكس كلماته الحنين العميق والشغف المستمر للمربين للحفاظ على تقاليدهم رغم كل الصعوبات.
في النهاية، تبقى تربية الإبل في ريف الرقة مرآة لصمود الإنسان السوري وتمسكه بتراثه وهويته، مع أمل متجدد في أن تتحسن الأوضاع الأمنية والسياسية، مما يتيح للمربين العودة إلى البادية وممارسة حياتهم بصورة طبيعية ومستقرة.