وزارة تلاحق قضاة الإرهاب: ملفات حساسة على طاولة التحقيق

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

في خطوة وُصفت بأنها جريئة وغير مسبوقة في المشهد القضائي السوري، أعلنت وزارة العدل عن فتح باب الشكاوى أمام المواطنين الذين تعرضوا للظلم أو الابتزاز على يد قضاة محكمة قضايا الإرهاب المنحلة، وذلك عبر التوجه إلى ديوان محكمة النقض في دمشق، أو الحضور الشخصي إلى مقر المحكمة في حي المزة خلال أوقات الدوام الرسمي.

خلفية ودلالات

تأتي هذه الخطوة بعد سنوات من الانتقادات الموجهة إلى محكمة الإرهاب، التي أُنشئت في ظروف استثنائية واتُّهمت بإصدار أحكام قاسية بحق المعتقلين السياسيين والمعارضين، في ظل غياب ضمانات المحاكمة العادلة.

ويُعتبر فتح هذا الملف علناً هو مؤشر على توجه نحو مراجعة حقبة من الانتهاكات القضائية، وربما تمهيد الطريق لمرحلة أوسع من المساءلة والمحاسبة.

ووفق البلاغ الصادر عن وزارة العدل، يمكن للضحايا أو ذويهم تقديم ما لديهم من معلومات أو أدلة، أو طلب الاستماع إليهم كشهود للحق العام أمام قاضي التحقيق المكلّف من الهيئة العامة لمحكمة النقض، التي باشرت فعلياً تحقيقاتها مع عدد من القضاة المتهمين بارتكاب تجاوزات خلال فترة عملهم في المحكمة.

استعادة ثقة المواطنين بالقضاء وإعادة هيبته

المحامي والخبير بالقانون الدولي المعتصم الكيلاني، يرى أن هذه الخطوة تحمل أبعاداً إصلاحية عميقة، إذ تأتي في إطار مراجعة أحكام محاكم استثنائية صدرت دون احترام المعايير الدستورية.

وأضاف في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن الرسالة الواضحة هنا هي محاولة استعادة ثقة المواطنين بالقضاء وإعادة هيبته، بعد سنوات من توظيفه كأداة قمعية.

ووصف الكيلاني هذه المبادرة بأنها “جزء من آليات العدالة الانتقالية”، معرباً عن أمله أن تكون ضمن اختصاص هيئة عدالة انتقالية مستقبلية، بحيث لا تقتصر على محاكمة أفراد، بل تشمل مراجعة شاملة للإطار القانوني الذي سمح بتلك الانتهاكات.

آلية استقبال الشكاوى ومعالجتها

أوضح الكيلاني أن المتضررين يمكنهم تقديم شكاواهم أو أدلتهم إلى ديوان محكمة النقض – دمشق (المزة)، إما عبر البريد أو بالحضور المباشر. اللجنة القضائية المختصة ستقوم بفحص الملفات، وتعد تقارير دورية تُرفع شهرياً إلى مجلس القضاء الأعلى، تتضمن توصيات بإلغاء أو تعديل الأحكام المسيئة.

ولفت إلى أن الجدول الزمني المعلن لا يتعلق بفترات استقبال الشكاوى، بل برفع نتائج المراجعات إلى الجهات الرقابية الأعلى في السلك القضائي.

كما شدد على أن الإشراف على العملية يتم من قبل مجلس القضاء الأعلى، مع إمكانية دعمها من قبل هيئات دولية، أبرزها “الآلية الدولية المستقلة والمحايدة بشأن سوريا”، إضافة إلى دور محوري لمنظمات المجتمع المدني السورية التي وثقت انتهاكات محاكم الإرهاب لسنوات.

إمكانية اللجوء للقضاء الدولي

حول خيار اللجوء إلى آليات العدالة الدولية، يؤكد الكيلاني أن ذلك ممكن بعد استنفاد جميع سبل الطعن والتقاضي المحلية. ويستشهد بقضايا مرفوعة في أوروبا ضد مسؤولين سوريين بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وكذلك دعاوى مدنية في الولايات المتحدة حمّلت النظام السوري مسؤولية القتل خارج إطار القانون، وأخضعت بعض القضايا لتحقيقات من وزارة العدل الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI).

وتمثل هذه الدعوة العلنية من وزارة العدل تمثل اختباراً عملياً لجدية النظام القضائي في فتح ملفات حساسة تتعلق بانتهاكات جسيمة طالت حياة وحقوق آلاف السوريين.

كما أنها تمنح الضحايا فرصة نادرة لكسر حاجز الخوف والمشاركة في مسار محاسبة قد يشكل بداية لعدالة أوسع، إذا ما توافرت الإرادة السياسية والقضائية الكاملة.

شهادات عن الابتزاز والانتهاكات

من جانبه، أوضح الحقوقي طارق حاج بكري أن هذه الخطوة جاءت استجابة لمطلب شعبي مزمن، لمحاكمة جميع المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق السوريين، سواء كانوا قضاة أو محامين أو شخصيات نافذة في الأفرع الأمنية والعسكرية.

ولفت حاج بكري في حديث لمنصة سوريا ٢٤، إلى أن قضاة محكمة الإرهاب، الذين كان يفترض أن يكونوا حماة العدالة، تورطوا في عمليات ابتزاز منظمة ضد المعتقلين وذويهم، عبر سماسرة ووسطاء، مقابل تخفيف الأحكام أو الإفراج عن المعتقلين.

وذكر أن بعض العائلات دفعت مبالغ طائلة، ظناً منها أن أبناءها سيطلق سراحهم، ليتضح لاحقاً أنهم أُعدموا أو قضوا تحت التعذيب.

ورأى حاج بكري أن هذه الممارسات تمثل شكلاً من أشكال “الجريمة المنظمة” التي لا بد أن تكون نقطة الانطلاق في مسار العدالة الانتقالية، مشدداً على ضرورة محاكمة جميع المتورطين، بما في ذلك المحامون والسماسرة وأصحاب النفوذ الذين عملوا كحلقة وصل في منظومة الفساد.
إجراءات التحقيق والمحاكمات

بحسب حاج بكري، ستتم معالجة الشكاوى وفق القانون السوري، مع الالتزام بإجراءات علنية للمحاكمات بعد انتهاء مرحلة التحقيق السرية، وهو ما يتيح للصحفيين والمنظمات الحقوقية متابعة مجريات المحاكمة.

وأفاد أن هذا الانفتاح الإعلامي والرقابي ضروري لضمان نزاهة الإجراءات ومنع أي تلاعب بالملفات.

وحول الجدول الزمني، يوضح أن طول فترة التحقيق يعتمد على حجم وتعقيد القضية، إذ قد تُحسم بعض الملفات خلال أسابيع، فيما تتطلب أخرى أشهراً طويلة بسبب كثرة الجرائم المرتبطة بها أو تعدد المتهمين، مشدداً على أن المحاكمات ستكون علنية، ما يتيح للمنظمات الدولية والمحلية حضورها، ويمنح القضية زخماً رقابياً داخلياً وخارجياً.

الولاية القضائية المحلية والدولية

ويرى حاج بكري أن الأصل هو محاكمة المتهمين داخل سوريا، باعتبار أن الجرائم ارتكبت على أراضيها، لكن في حال تعذر ضمان محاكمة عادلة أو ظهرت مؤشرات على الفساد، يمكن حينها نقل القضية إلى المحاكم الدولية أو إلى قضاء الدول التي يوجد بها المتهمون، خاصة إذا كانت قوانين تلك الدول لا تقر عقوبة الإعدام.

ويضيف أن بعض الدول قد تفضل محاكمة المشتبه بهم على أراضيها لأسباب قانونية أو إنسانية، في حين يمكن لسوريا المطالبة بتسليمهم لمحاكمتهم وفق قوانينها، التي تنص على عقوبات مشددة تصل إلى الإعدام في الجرائم الكبرى مثل القتل الممنهج وتشكيل العصابات المسلحة.

ووسط كل ذلك، يعتمد نجاح هذه الخطوة سيعتمد على شموليتها، وعلى مدى استعداد القضاء لعدم الاكتفاء بمحاكمة أفراد، بل معالجة البنية التي سمحت بوقوع الانتهاكات، بما يضمن عدم تكرارها مستقبلاً.

مقالات ذات صلة